الإرث الحكومي……مسارات للتفكير

شهد الاقتصاد المغربي في خلال ولاية الحكومة الحالية فشلا في تحقيق رهان النمو الذي وعدت به المواطنين في انتخابات 2011. فالحصيلة الاقتصادية بعيدة كثيرا على التعهدات التي التزم به التحالف الحكومي في مكونه الاول أو الثاني ألا وهو تحقيق نمو بنسبة 5 في المائة على الأقل. بل على عكس الالتزامات فالحكومة سوف تترك لنا أوضاعا جد متأزمة سوف تستحوذ على اهتمام كافة الأوساط الاقتصادية والمالية كما سوف ستخيم على المواطن المغربي لعل أحد أهم تجليتها هي أزمة السيولة لدى المقولات الصغيرة منها والمتوسطة.

نقص السيولة ما هو إلا مؤشرا أو ظاهرةً لما هو أخطر من ذلك، إنها مرحلة الركود الاقتصادي الذي سوف تتركه الحكومة الحالية للاقتصاد المغربي والذي نعيش بشائره منذ مدة غير وجيزة. التعامل مع الظاهرة تم بشيء من العشوائية والتضارب كما تم بالتجاهل في مرات عديدة، الشيء الذي أدى إلى حدوث رد فعل متخبط لدى الأبناك رغم خفض السعر الفائدة المرجعي من طرف البنك المركزي لعدة مرات دون أن تخفض الأبناك من سعر فائدتها، مما جعل والي بنك المغرب إلى التصعيد من لهجته في أواخر السنة الفارطة وبداية هذه السنة، كما أكد ان الركود قد تم تسجيله و بأن النمو لن يتجاوز 1 في المائة. بعد أن استفحل الأمر وأصبح من الصعب تجاهله، بدأت الحكومة المغربية في الاعتراف به ومحاولة علاجه وإن كان للأسف الشديد جاء علاج ضعيف لا يتناسب مع حجم المشكلة ويصدق عليه القول القائل  » تمخض الجبل وولد فأراً  » حيث أعلنت الحكومة عن اتخاذها لقرار هام وهو ضخ النقدية في الأسواق عن طريق سداد مديونيتها ومتأخراتها للشركات وهذا في رأيي تصرف قاصر عن علاج هذه المشكلة لأنه في هذه الحالة فإنها تحاول علاج العرض فقط وهو نقص السيولة لدى المقولات في حين أنها تجاهلت المرض المسبب لهذا العرض وهو الركود الاقتصادي وهذا سيؤدي، في حالته القصوى، إلى علاج جزئي ضعيف الأثر في الأجل القصير وفي نفس الوقت ستتعقد المشكلة أكثر في الأجل الطويل.

إن الركود الاقتصادي يجب تناولها من ثلاث جوانب هم المشكلة، الأسباب، العلاج المقترح.

من المعروف أن الاقتصاد المغربي منذ الاستقلال وهو يتجه إلى العمل بآليات السوق وتحريره، وحيث أن العمل بسياسة السوق لابد من أن يترتب عليها تعرض الاقتصاد لحالات من الرواج والانكماش وهو أمر ليس قاصراً على المغرب فقط بل تتعرض له أقوى النظم الاقتصادية مثل الولايات المتحدة وانجلترا، كما إن التحرير الاقتصادي الكلي سيؤدي إلى وجود تقلبات اقتصادية نوعية على:

المدى الأول: التقلبات الاقتصادية قصيرة الأجل في الدخل الوطني Business cycle   وهي الدورة الاقتصادية التي تعكس التغيرات في النشاط الاقتصادي حيث يكون مستوى الدخل الوطني والتوظف مرتفعاً ومعدل البطالة منخفضاً وفيها يسود الرواج والتوسع، وفي فترات الركود والانكماش يكون كلاً من مستوى الدخل والتوظف منخفضاً ويكون معدل البطالة مرتفعاً وهذا ما يمر به الاقتصاد المغربي.

المدى الثاني: هو الاتجاه طويل الأجل في الدخل الوطني فله أهمية خاصة فإذا ما كان الاتجاه متزايداً بمعدل يفوق معدل السكان فإن هذا معناه أن نصيب الفرد من الدخل الوطني يكون متزايداً مما يعني ارتفاع مستوى معيشة الأفراد، أما إذا كان الاتجاه طويل الأجل في الدخل الوطني متزايداً بمعدل أقل من معدل زيادة السكان أو إذا كان متناقصاً فإن هذا يعني أن نصيب الفرد من الدخل يكون متناقص ومن ثم ينخفض مستوى معيشة أفراد المجتمع في المتوسط وهذا ما تحاول السلطات الاقتصادية والمالية تجنبه ومواجهته.

إذاً واقع الأمر أن الركود الاقتصادي  » وهو يطلق على بطيء حركة التبادل التجاري والمعاملات في الأسواق  » هو إحدى سمات الاقتصاد الحر وعلينا ما دمنا اتجهنا إلى هذا التحول أن نتوقع فترات من الركود وأخرى من الانتعاش ولكن علينا في نفس الوقت إدراك أن الاقتصاد الحر يعطينا من السياسات والأدوات والآليات ما يعين السلطة الاقتصادية على اتخاذ الإجراءات المناسبة في الوقت المناسب لمواجهة الأزمة قبل أن تتفشى وتستفحل وهنا يبرز دور الدولة في ظل اقتصاد السوق والاقتصاد الحر.

وعلى الرغم من أن ما نمر به حالياً هو شيء طبيعي ومتوقع إلا أن الحكومة تعاملت معه كأنه خطيئة يجب عدم الإعلان عنها والتكتم عليها وذلك في حين أن الظاهرة بدأت في الظهور منذ حوالي تلات سنوات.

وفي الوقت الذي أكدت فيه معظم الدوائر الرسمية وجود حالة ركود ظهر جانب آخر من الآراء الاقتصادية أكثر تفاؤلاً وإشراقاً إلى حد ما تفيد أن الحالة التي يمر بها الاقتصاد المغربي الآن ليست ركود اقتصادي أو نقص في السيولة بقدر ما هي اختناقات حيث أن الركود يحدث إذا كان معدل النمو الاقتصادي يساوي صفر لكن الواقع غير ذلك حيث أن معدل النمو يسير بصورة إيجابية. ومهما كانت المسميات المختلفة ركوداً أو اختناقات فإن الحالة العامة التي يعيشها الاقتصاد المغربي ليست في مصلحة جميع الأطراف ومن هنا وصلنا إلى مرحلة لا نبحث فيها هل يوجد ركود أم لا؟ هل يوجد نقص سيولة أم لا؟ إنما أصبح من الضروري البحث في الأسباب التي تكمن وراء هذه المشكلة حتى نستطيع وضع العلاج لها.

 

في هذه المرحلة من التحليل نصل إلى الحلول التي كان من الواجب على الحكومة الاتجاه إليها والأخذ بها حتى نصل إلى مخرج من هذه الأزمة التي تأخذ بخناق الاقتصاد المغربي وفي نفس الوقت تقدم بعض الحلول لمشاكل متراكمة منذ فترة بعيدة وساهمت بقسط كبير في أحداث هذه الأزمة وهذه الاقتراحات هي كما يلي:

ـ          قيام الدولة بسداد مديونيتها مع الشركات وخاصة في قطاع المقاولات الصغرى لأنه قطاع حيوي يرتبط به أكثر من 75 في المائة من الاقتصاد الوطني وبالتالي هذا سيؤدي إلى زيادة قدرة هذه الشركات على سداد مديونيتها للبنوك ومقاولي الباطن

ـ          سن تشريعات جديدة لمواجهة ظاهرة التهرب الضريبي والجمركي تكون رادعة لكل من تسول له نفسه أن يعمل في التهريب وفي نفس الوقت تقوية أجهزة الرقابة في الجمارك وتوسيع الوعاء الضريبي مع خفض مستوى النسب الضريبية.

ـ        العمل على مكافحة التهرب الضريبي بإجراءات كالتالي

‌أ- إجراء حصر ميداني لكافة الأنشطة الاقتصادية تم تحويله إلى نظام مستندي ثم إلى نظام الكتروني عند تغذية الحاسب الآلي به مع مراعاة التحديث المستمر للبيانات الموجودة فيه مما يسهم في التعرف على موقع الممول ونشاطاته ومعاملاته مما يقلل من فرص التهرب الضريبي

‌ب- تشديد عقوبة التهرب الضريبي لكل من المتهرب ومن يعاونه وإلغاء مبدأ القطاع الضريبي مع الممول الذي يتكرر تهربه من سداد الضرائب بحيث يدفع المستحق عليه.

‌ج- العمل على تخفيض الشرائح الضريبية ورفع حد الإعفاء وذلك لتشجيع الممولين على السداد، مع الإعلان عن منح تخفيض في قيمة الضرائب المقدرة للممولين المنتظمين في السداد للضرائب

زيادة العجز في الموازنة العامة من 3% إلى 6% مثلاً وضخ هذه النقود في الاقتصاد المغربي حيث يستخدم هذا العجز في توجيه طاقات إنتاجية عاطلة تؤدي إلى زيادة الإنتاج دون أن تؤثر كثيراً على زيادة الأسعار وذلك بمنحها للمنتجين في صورة قروض قصيرة الأجل

تخفيض العجز في الميزان التجاري من خلال اتجاهين

الاتجاه الأول: اتجاه الصادرات فلابد من اتخاذ الإجراءات الحاسمة التي تعمل على زيادة الصادرات المغربية.

الاتجاه الثاني: الواردات وهي الجانب الثاني في الميزان التجاري المغربي حيث يجب علينا العمل على تخفيض قيمة هذه الواردات إلى أقل قدر

العمل على زيادة سعر الفائدة على الودائع

مقاومة الفساد الإداري المتفشي داخل القطاعات الحكومية حيث أن هناك تزايد خطير في المؤشرات الدالة على استغلال الوظيفة العامة داخل قطاعات الدولة لتحقيق مكاسب شخصية.

مقاومة الإسراف الحكومي المبالغ فيه والمتمثل في زيادة عدد الوزارات بل وتقليص عدد السفارات والتمثيل الدبلوماسي لها وأيضاً تخفيض عدد الوفود المغربية مثل أعضاء مجلس النواب للدوران حول العالم وعمل ميزانية محددة للرحلات الخارجية مثل ما يحدث في أمريكا حيث أن هناك ميزانية للرئيس الأمريكي نفسه.

 

 

 

 

 

الإرث الحكومي

يعيش المغرب في الآونة الأخيرة، علي بعد أشهر معدودة على الانتخابات التشريعية و نهاية ولاية الحكومة الحالية، وفي عز هذا الشهر الأبرك، أزمة خانقة، فالأسعار في ارتفاع صاروخي و السيولة شبه منعدمة لذى المقاولات الصغرى و المتوسطة، الحوارات الاجتماعية متوقفة، و المسؤولين عن السياسة النقدية اعترفوا بعجزهم و محدودية وسائلهم وآلياتهم و ورموا المسؤولية على الأذاء الحكومي وحده بعد أن كانوا شركاء في السياسات الاقتصادية الكبرى…..

الأزمات التي سوف تتركها لنا الحكومة الحالية سوف ترهن مستقبلنا القريب والبعيد معا. فالقرارات التي اتخذتها خلال ولاياتها والتي كانت تهم بالأساس التوازنات الماكرو اقتصادية، والتسريع بخفض العجز المالي، والرفع من المديونية مع نسف المقاصة كأذاة لإعادة توزيع الثروة…. لم تخفف قط من الأزمات الاجتماعية بل زادتها تفاقما وتعقيدا من خلال ارتفاع عدد العاطلين وبالخصوص بين الشباب حاملي الشهادات وتدني مستوى التأهيل العملي، ومن خلال ارتفاع نسبة الهشاشة و ارتفاع أحزمة الفقر و السكن الغير اللائق….الخ.

القطاع الصحي لم يسلم هو كذلك من قرارات المتخدة والارتجال في اتخاذ القرارات الغير المدروسة العواقب لم تخفف هي كذلك من أزمات قطاع الصحة من ضعف في التأطير الطبي وضعف التجهيزات وتدني جودة الخدمات و رعاية المرضى و صعوبة الولوج إلى المرافق الصحية وغلاء الأدوية…..الخ.

 أما قرارات قطاع التعليم ولغة التعليم ومضمون المقررات والتأطير فكلها تتجه إلى ضرب مجانيته وعموميته وتعميمه، بل جعل العالي منه حكرا على فئة دون أخرى …….

قطاع الاتصال الذي يعتبر الإطار التي تمارس فيه الحريات أولا والرقي بالمجتمع و إبداعاته فقد كرس من خلال دفاتر تحملاته التركيز و الطغيان للبعض عن الكل….. كما فتح الباب على مصرعيه لشركات الإشهار وبعض المعبتين بالدوق العام للهجوم على المواطن وبتكريس التفاهة و الإزدراء والعبت…… إنها بارتجاليتها وعدم مصاحبتها كرست لأزمة في الإبداعات، في الإنتاجات الفنية …… في تلفزتنا ……في إعلامنا……

أما قرارات حكومتنا في الإدارة العمومية لم تيسر سوى هشاشة أغلبية موضفيها في وضعيتهم القانونية، في ولوج المواطنين إليها وإلى أسلاكها وتكريس بطئها و ضعف فعاليتها واستتناء الكتير من المواطنين من خدماتها الرقمية حيت الأمية مستفحلة بين البالغين خصوصا فيما بين الساكنة التي تفوق عمرها عن خمسة وعشرين سنة….

فالحكومة سوف لن تترك لنا إرثا كبيرا من الأزمات…… أزمة في الضمان و التماسك الاجتماعي……. أزمة في اللغة و الهوية …….أزمة في الأخلاق ……أزمة القيم…….

أزمة من الناحية المؤسساتية وفي تنزيل الدستور وفي الطبقة السياسية وحواراتها السطحية ولغتها و خطابتها الجوفاء……

فهذه الأزمات التي سوف نرتها لامحالة، سوف لن نتمكن بمعالجتها، أو بمرورها، أو بظرفيتها من العودة إلى سابق عهدنا، إلى استقرارنا…….كأن مخلفات حكومتنا سحابة صيف و سوف تنجلي مهما كان زمنها و طول فترتها….

عدد من خبرائنا الإداريين و المدافيعين عن القرارات الحكومية المتخذة والانكشارية تابعة الطامعة في عطاء كيفما كان نوعه، سوف يقولون بأن مجتمعنا له استثنائه، وأن اقتصاديتنا و مجتمعنا هو مستقر وأن الأزمة التي نعرفها تم استيرادها من الخارج، ولم تكن يوما عيبا منا أو ضعفا أو تقصيرا في سياساتنا الاقتصادية و الاجتماعية و حتى الثقافية. بل الأزمات فرضت علينا كإكراهات. الأزمات التي نعيشها فهي نتيجة للأزمة الاقتصادية العالمية التي نحن، حسب رأيهم، في منأى عنها بفضل السياسات المتبعة، وقوة  وعدم خوضها في المغامرات المالية العالمية ، لكن أزمتنا هي فقط أعراض جانبية تم استيرادها عبر ميكانيزمات ترابطية مثل السلع المستوردة و ارتفاع أو انخفاض سعر العملات أو البترول و ضعف قدرة البلدان التي نصدر إليها منتجاتنا على استيعاب سلعنا بفعل الأزمة……. مما يأتر على ميزان الأداءات و على الميزانية وعجزها وارتفاع حجم مديونيتنا، مما يؤتر سلبا على بعض الخدمات الاجتماعية وسير بعض المؤسسات وإننا بفعل و تفعيل بعض الإصلاحات و التقويمات مع مرور الأزمة العالمية كل شيء سوف يعود كيفما كان و سوف تتشكل أواصر النمو و الازدهار و الرخاء…..

يقولون لنا دلك كأنما مجتمعنا لا يعرف ديناميكية خاصة به، وتجادبات و إكراهات مرتبطة بنا و بتطورنا وبتفاعلاتنا مع المجتمعات الأخرى.

إننا نؤثر في محيطنا كأفراد و كمجتمع، و هو يؤثر فينا. هده الديناميكية تعرفها جميع المجتمعات مند الأزل.

إن الأزمات و حلها لم يكن يوما مرادفا إلى العودة إلى نقطة ما قبل الأزمة…. الأزمة كانت و لا تزال نقط تحول في الصيرورة التاريخية لمجتمعنا. نقطة انتقال من وضع إلى أخر. نقطة تطور ومفصل في تفكيرنا…..

الأزمات بالنسبة للفرد و كذلك للمجتمع كانت و لا تزال محمولة على القلق و عدم الاستقرار، محملة بالخوف من الغد، من المستقبل، محملة بالتوجس من فقدان المكتسبات و التقهقر ……. كما هي أيضا محملة بالأمل……

هدا المخاض نعيشه في هده اللحظة التاريخية من حياتنا، نعيشه يوما بعد يوم و نحن نحاول استقراء المولود الأتي: هل هو كامل، مشوه، صحيح البنية، كامل التطور و النمو…..؟

في خضم هده المعانات اليومية من أجل حفظ المكتسبات، من القلق و التوجس، من الخوف من المستقبل، يجب الوقوف مع دواتنا وإخراجها من زحمة التناقضات المحيطة بنا لنساءل أنفسنا: ما هي الأدوات التي نملكها لتحليل ما يقع حولنا و لنا، ما هي الثوابت و المتغيرات و هل توجد أصلا ثوابت و متغيرات و ما هي كما نتساءل عن ماهية الركائز في تفكيرنا و مكتسباتنا؟

إن العولمة و الكونية التي نعيشها من خلال وسائل الاتصال و الموصلات قد جعلت كوكبنا فعلا قرية صغيرة. إننا نعي جيدا أن قرار سياسي أو اقتصادي داخلي في الولايات المتحدة الأمريكية لتشجيع الصناعة أو خفض مستوى البطالة مثلا سيؤثر على سعر الفائدة داخل السوق المالية الأمريكية ومن ثمة على سعر الدولار، و الذي سوف يؤثر في اللحظة نفسها على سعر البترول و المواد الأولية و ككرة الثلج هدا القرار سيؤثر على اقتصاديات دول المنتجة للنفط و الدول المستوردة وعلى التحاقنات بين الدول المتنافسة سياسيا أو عسكريا….. و سوف تتخذ دول أخرى إجراءات مضادة للمحا فضة على مصالحها…..

إن العولمة التي نعيشها اليوم قد زلزلت السوق الداخلية للدول مع هيمنة لاقتصاد السوق….. اقتصاد السوق الذي حاول الإنسان أن يدجنه لما يناهز قرنا من الزمن داخل الفضاء الدولة القطرية، بإنتاج قوانين وطنية كيفما كانت نوعيتها جنائية أو مدنية أو تجارية أو اجتماعية أو مالية….و الآن مع هده العولمة لا أحد يمكنه أن يروضه  أو يحجم جأشه لأن أواصره وامتداداته وتداعياته تتجاوز فضاء الدولة القومية والوطنية. التبادل التجاري، الشركات العابرة للقارات، الاستثمارات الأجنبية أو التشاركية بين الأفراد و الأقطاب أو حتى الدول، الصناديق السيادية…كلها فرضت على القوانين الوطنية أن تتأقلم مع هده المعطيات التي تتجاوز حدودها، بل القوانين الوطنية للدول دخلت في منافسة مع بعضها لاستقطاب الاستثمارات و رؤوس الأموال داخل منطق لا يخلو من الازدواجية في التعامل مع أفضلية للأجنبي غلى الوطني تحت ذريعة التنافسية و خلق الثروة و النمو الوطني…..

 إن اقتصاد السوق يبقى إلى حد الآن أحسن منظومة لخلق الثروة و أسوؤها لتحديد المجتمعات……

إن عولمة اقتصاد السوق  دفعت الدول إلى تكتلات جهوية أو قارية أو قومية أو…… لقد دفع في اتجاه محو الحدود و تخطيها لأن اقتصاد السوق بجموحه هو أكبر من أن ينحصر في حدود وطنية أو قطرية. إنه يتجاوز شعب دولة أو حدودها، ولا يرضى أن يحجم و يلجم بقوانين وطنية. إن اقتصاد السوق لا يؤمن بالحدود….

إن عولمة اقتصاد السوق يحمل في أحشائه لغما ضد ما ساعده على انتشاره.

إن عولمة اقتصاد السوق ينسف الديمقراطية….. إن كون القرارات الكبرى داخل التكتلات تأخذ داخل مؤسسات جهوية أو قارية أو دولية غير منتخبة وبمنأى عن المحاسبة الشعبية تجعلها غلى نقيض الديمقراطية كأسمى نضام توصلت إليه البشرية الآن في غياب نضام أخر مجرب ومنافس له. ويبقى للمؤسسات المنتخبة جزئيات تكييف القوانين مع الخصوصيات الوطنية و إعطائها الصبغة القومية وخاتم الخصوصية الوطنية الظاهرة.

   داخل هده العولمة وتجلياتها الإعلامية، أصبحنا جميعا متصلين في شبكات إعلامية، و شبكات اجتماعية، شبكات افتراضية  نتبادل فيها كل شيء. نتبادل معارفنا، هواجسنا، معطياتنا الشخصية…… وأداتنا في دلك الحواسيب و الهواتف الذكية. حياتنا، بفعل الانترنت، انقلبت رأسا على عقب. الانترنت الذي أصبحت شبكته قارة لوحدها. قارة سادسة فوق الأرض. قارة تكبر يوم بعد. يهاجر إليها كل يوم الملايين من الأفراد. أصبح يهاجر إليها كل شيء: مقولاتنا، خدماتنا، إداراتنا، إقراراتنا الضريبية، أمننا….  هده القارة التي أصبحت تعيد صياغة المفاهيم الأساسية لحياتنا الاقتصادية و الاجتماعية والقانونية. نحن الدين لا نزال لم نحدد مفهوم الواقع الافتراضي، ولا كيفية تقنينه…..

النشاط البشري بأكمله يهاجر إلى العالم الرقمي، الهجرة مع التحول. تحول في عقيدة التبادل التي تأسس للاقتصاد.

فإن كانت النظريات الاقتصادية و المبادئ القانونية المستنتجة منها، مبنية على حق الملكية و أشكال نقل الملكية الذي يسجل التبادل ركيزتها.

التبادل وحق الملكية بين الأشخاص يمكن أن يكون إما بالبيع أو المقايضة أو الهبة، فنقل الملكية تتم دائما من جهة إلى أخرى. لكن مع العالم الرقمي أصبح للتبادل ضلع أخر ألا وهو: التقاسم.

فالتقاسم مفهوم يفرضه علينا العالم الجديد: فقد أصبح هناك نقل للملكية دون التخلي عنها

 

 

 

افلاس المقاولات……. تخبط السياسات الحكومية

شهد الاقتصاد المغربي في الآونة الأخيرة أزمات مختلفة استحوذت على الاهتمام في كافة الأوساط الاقتصادية والمالية سواء حكومية أو قطاع أعمال أو حتى على مستوى الشارع المغربي وهي أزمة السيولة لدى المقولات الصغيرة والمتوسطة.

فالإحصائيات الأخيرة لهذه السنة، والنابعة عن أنفوريسك، مثيرة للقلق وتأكد الوضع الصعب للاقتصاد الوطني.   فقد تم تسجيل في الأشهر الثلاث الأولى لسنة 2016، أكثر من 1703 شركة مغربية فاشلة ومتجهة نحو الإفلاس. هذا التسارع في الإخفاقات والذي يتم تسجيل ارتفاع وتيرته مند سنة 2011، سيتفاقم كثيرا هذه السنة بالمقارنة مع سنة 2015 الذي سجلت هي الأخرى ارتفاعا يوازي 17.2 في المائة، خصوصا بعد أن تم الإعلان على أن نسبة النمو لن تتجاوز 1 في المائة.

وعلى الرغم من أن نقص السيولة، و الذي يعاني منه بالخصوص المقاولات الصغرى، ما هو إلا مؤشر أو ظاهرة لحدث أهم وأزمة أخطر هو مرحلة الركود الاقتصادي الذي يمر به الاقتصاد المغربي في الوقت الراهن إلا أن التعامل مع هذه الظاهرة تم بشيء من العشوائية والتضارب بل والتجاهل في بداية الأمر وهو الشيء الذي أدى إلى حدوث رد فعل متخبط لدى الأبناك رغم خفض السعر الفائدة المرجعي من طرف البنك المركزي لعدة مرات دون أن تخفض الأبناك من سعر فائدتها، مما جعل والي بنك المغرب إلى التصعيد من لهجته في أواخر السنة الفارطة بعد أن استفحل الأمر وأصبح من الصعب تجاهله، فبدأت الحكومة المغربية في الاعتراف به ومحاولة علاجه وإن كان للأسف الشديد علاجا ضعيفا و لا يتناسب مع حجم المشكلة.

فبعد قرار استصدار القانون 32-10 المتعلق بآجال الأداء، سنة 2013، لتعميم وإلزام المقاولة والدولة وكل المتعاملين التجاريين باعتماد الفوائد، خصوصا في فقرتيه الثالثة والرابعة. كما أنه يلزم كل متعامل أراد أن يتحلل من هذه الزيادة، نظرا إلى الشبهة التي تحوم حولها ونظرا إلى كثرة التساؤلات حول ما إن كانت ربى أم زيادة مشروعة، باعتمادها ولم يسمح له بالتخلي عنها إلا بالتقادم بعد سنة وبعد الأداء، وجعلها مستحقة بشكل تلقائي دون أي إجراء سابق « تستحق غرامة التأخير دون الحاجة إلى إجراء سابق»، بل إن القانون يبطل أي مبادرة من أطراف العقد للتحلل منها مسبقا، حيث تنص الفقرة الموالية من نفس المادة على أنه » يعتبر كل شرط من شروط العقد يتخلى بموجبه التاجر عن حقه في المطالبة بغرامة التأخير باطلا وعديم الأثر». ها هي تعلن في اجتماع لمجلس الحكومة ليوم 24 مارس 2016 عن اتخاذها لقرار هام وهو استصدار قانون رقم 15-49 بتغيير وتتميم 15-95 وسن أحكام خاصة بآجال الآداء، وإرغام المؤسسات العمومية على احترام مدة 90 يوم كأقسى الآجال.

فرغم دخول القانون حيز التنفيذ مند سنة 2013 إلا أن تطبيقه اعتُبِر مستحيلا. فكان لازما انتظار القانون المالي لسنة 2014 لشرح التدابير المحاسبتية والضريبية ورغم ذلك فلم يأتي القانون بجميع الأجوبة لتساؤلات التي تطرحها المقاولات الصغرى والمتوسطة، ولم يجنبهم جبروت كبار المقاولات في تأخر الأداء ولا تماطل الإدارات في أداء متأخرتها، بل بالعكس، أعطت فرصة أخرى للمصلحة الضرائب للمطالبة بالضريبة على الأرباح المتعلقة بفوائد التأخير بعد الفترة القانونية المسموح بها.

فحسب أنفوريسك دائما، فالمديونية بين المقاولات تفوق 364 مليار درهم وهذا وحده يفوق 1.5 مرة مجموع قروض الأبناك والتي تقدر ب 244 مليار درهم. كما أن وتيرة الارتفاع للقروض التجارية بين المقاولات هي بثماني مرات أكتر مما تعرفه نمو وتيرة القروض البنكية، من هنا يعرف سر آجال الأداء وتسديد المتأخرات. ف40 في المائة من فشل المقاولات واتجاهها نحو الإفلاس.

الإشكال المطروح في بلورة مثل هذه القوانين ينحصر في الخضوع لمطالب بعض الجهات الضاغطة دون النظر إلى نجاعتها وسلامة تنزيلها، فمثل هذه القوانين رغم أنها في ظاهرها اقتصادية، فهي تحتاج قبل صياغتها إلى مقاربة تشاركية بإشراك المعنيين في بلورتها بشكل يستجيب لطموحاتهم، كما أنها كانت تحتاج إلى مقاربة مندمجة لصياغتها، وذلك بالرجوع إلى قطاع العدل للنظر في إمكانية التنزيل قبل الإعلان عنها.
ولعل التراجعات التي أقدمت عليها هذه الحكومة في العديد من القضايا خلال فترة توليها شؤون السياسة العامة، عائدة بالأساس إلى اعتماد المقاربة الكلاسيكية في تدبير الشأن العام، ذلك أن الحكومة تصدر قرارات أو توجهات ثم تتراجع عنها بعد تعرضها للمقاومة، فيصبح المشكل مزدوجا عدم إقرار القرار وضرب المصداقية بالتراجع، فينشأ عن ذلك تقليد المقاومة لكل القرارات لأنه نمى إلى ذهن المواطن أن الحكومة يمكنها أن تتراجع عن قراراتها، بل كان من الأجدر استفزاز المقاومة قبل إصدار القرار عبر المقاربة التشاركية الفعلية، الشيء الذي تنتج عنه ثلاثة سيناريوهات لا تفقد على كل حال الحكومة مصداقيتها، وتتمثل في إصدار القرار بكامله مع القدرة على التنفيذه أو التعديل القبلي في القرار ثم إصداره مع القدرة على تنفيذه أو العدول عن إصدار القرار وليس التراجع عن تنفيذه، وبذلك تربح الحكومة مصداقيتها في كل الأحوال.

إن الإشكال الحقيقي يتمركز في الطرق والمناهج المعتمدة للاشتغال وليس في الاشتغال في حد ذاته، فبمحاولة علاج المشاكل الاقتصادية بضخ النقدية في الأسواق، عبر إقرار القانون، عن طريق سداد مديونيتها ومتأخراتها للشركات: هذا في رأيي تصرف قاصر عن علاج هذه المشكلة لأنه في هذه الحالة فإنها تحاول فقط علاج العرض وهو نقص السيولة لدى المقولات في حين أنها تجاهلت المرض المسبب لهذا العرض وهو الركود الاقتصادي وهذا سيؤدي، في حالته القصوى، إلى علاج جزئي ضعيف الأثر في الأجل القصير وفي نفس الوقت ستتعقد المشكلة أكثر في الأجل الطويل.

أسيا …… محور العالم

في نص الخطاب الذي ألقاه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، أمام القمة المغربية الخليجية التي افتتحت يوم الأربعاء 20 أبريل 2016 بالرياض جاء فيه ما يلي:

« فالمغرب رغم حرصه على الحفاظ على علاقاته الاستراتيجية مع حلفائه، قد توجه في الأشهر الأخيرة  نحو تنويع شراكاته، سواء على المستوى السياسي او الاستراتيجي أو الاقتصادي.

 وفي هذا الإطار، تندرج زيارتنا الناجحة إلى روسيا، خلال الشهر الماضي، والتي تميزت بالارتقاء بعلاقاتنا إلى شراكة استراتيجية معمقة، والتوقيع على اتفاقيات مهيكلة، في العديد من المجالات الحيوية.

كما نتوجه لإطلاق شراكات استراتيجية مع كل من الهند وجمهورية الصين الشعبية، التي سنقوم قريبا، إن شاء الله، بزيارة رسمية إليها.

فالمغرب حر في قراراته واختياراته وليس محمية تابعة لأي بلد. وسيظل وفيا بالتزاماته تجاه شركائه، الذين لا ينبغي أن يروا في ذلك أي مس بمصالحهم ».

فمذا يعني هذا، و ماذا تعني أسيا اليوم بالنسبة للعالم، وما دور أوربا في المستقبل، وهل سياسيونا على بينة من التطورات المصيرية التي نعيشها اليوم ؟

 

 تعتبر أسيا قاطرة العالم اليوم، و هذا تغير جوهري و الأكتر أهمية في القرون الأخيرة، و هي لازالت في المراحل الأولى لتطورها.

هذا الواقع الجديد لازال الكتير من سياسينا لم يستوعبوه بجدارة، و لم يستوعبوا أن أوربا أصبحت متجاوزة. فأوربا التي حاولت من خلال التكامل الأوربي بناء أكبر قطب اقتصادي في العالم يكون محوره عملة قوية واحدة منافسة للدولار الأمريكي قد أصبح مآله الفشل الذريع.

فالإصرار من بعض الأوربيين على الرغبة في الحفاض على مظهر الوحدة الأوربية بأي ثمن أصبح يترجم في الواقع إلى شمولية سياسية و مجتمعية تفرضها طبقة من كبارالموضفين الأوربيين بدون أي شرعية ديموقراطية، كما أصبحت الشعوب الأوربية بدورها تبتعد أكتر فأكتر عن هذا المشروع الوحدوي الوحيد القادر على خلق التوازن في المنطقة الغربية لهذا الكوكب.

اختفاء البناء الأوربي، أكان سريعا أم بطيئا، قد تم تسجيله من طرف الدول الكبرى. فروسيا، واحدة من الإقتصادات في العالم التي تتطور بشكل سريع قد أعطت بالضهر و بشكل حازم لأوربا، و اتجهت صوب أسيا. فمحور باريس-برلين-موسكو الذي كان من المفترض أن يكون هو التطور الطبيعي للأشياء، سواءا من الناحية الجغرافية أو التقافية أو الاقتصادية قد أصبح بفعل المناورات السياسية و الهيمنة العسكرية و التخريب الأمريكي في خبر كان و ليس بالأولويات الآستراتيجية. فمن الواضح أن ادماج روسيا داخل المجتمع الأوربي سوف يكون أكتر جدوى و فائدة على أوربا من اليونان او قبرص أو حتى تركيا…

إذن فدورة جديدة تنفتح، دورة ستكون فيها الصين مهيمنة على أسيا التي هي بالتالي أكبر سوق و أكبر قوة اقتصادية في العالم.

هذه التطورات والتحولات في العلاقات الدولية وإعادة نشر الاستراتيجيات التي تعمل في أعقابها، لم يدفعوا المغرب على إعادة النظر في سياسته الترابطية مع أوربا، بل على عكس ذلك فهو ذاهب في توسيعها وتعميقها.

هذا الترابط الذي بدأ باتفاقيات 1969 و1976 قد تم مؤسسته باتفاقيات التبادل الحر لسنة 1976 بين الشركين والذي أخد بفعل الوضع المتقدم الممنوح للمغرب بتاريخ 13 أكتوبر 2008 رلى توسيع حقل التعامل ليشمل تعميق العلاقات السياسية والتكامل التنظيمي وتطوير التبادل الثقافي والتعليمي والعلمي.

لكن مع فاتح مارس 2013 بدأت مفاوضات جديدة لتوسيع وتعميق اتفاقيات التبادل الحر والتي تعرف اتفاقية التبادل الشاملة والمعمقة. اتفاقية تروم تعزيز الانفتاح الحالي للاقتصاد الوطني، وتسهيل اندماجه التدريجي في السوق الداخلية للاتحاد الأوروبي، مع الاشارة إلى أن هذا التكامل الاقتصادي يمر أساسا عبر التطابق التنظيمي.

هذا التطابق سوف يعزز التبعية للأوربيين. فمن الناحية الاقتصادية المحضة، فالتبعية للاقتصاد الأوروبي تتجلى في أن أكتر من 54 في المائة من الواردات هي من أوربا، كما أن أكتر من 50 في المائة من السياح الذين يلجون المغرب سنويا هم أوروبيون. كما أن 60 في المائة من صادراتنا هي متجهة لأروبا كما أن أكتر من 73 في المائة من الاستثمارات المباشرة الخارجية في المغرب هي أوروبية. وأخيرا، فالأورو يناهز 60 في المائة من سلة العملات التي يتم احتساب القيمة الخارجية للدرهم.

المغاربة المقيمين بالخارج والمقيمين بأوروبا يمتلون 3\4 مغاربة العالم ولهم الفضل في تحويل ما يناهز 69 مليار درهم من التحويلات الخاصة.

اليوم الاقتصاد المغربي مرتبط وتابع إلى حد كبير لجهة واحدة في العالم وهي جهة أوروبا. الميزان التجاري يشير إلى عجز هيكلي مزمن بنسبة تغطية لا تتجاوز 50 في المائة. كما أن التخصص القطاعي لازال محصورا في قطاعات ذات قيمة إضافية ضعيفة. أما نموذج النمو فيبقى دون فاعلية وقليل الشمولية وقليل الاستدامة أكتر فأكتر.

التحولات جيوستراتيجية الآنية في العالم تمنح للمغرب فرصة لإعادة التمركز العالمي تماشيا مع قدراته واحتياجاته للتنمية. لكن ترابطه الأوربي يمكن أن يزيحه عن هذا الهدف.

فالترابط والتطابق والتبعية بصفة عضوية للاتحاد الأوروبي يحمل في طياته مخاطر الحكم علي الاقتصاد المغربي أن يبقى ويعيش في الهامش مقارنة مع جيوب الحيوية للاقتصاد العالمي.

 

 

 

قمة السبع الكبار …… الملفات الكبرى المعروضة

تم خلال الأسبوع الذي ودعناه في اليابان اجتماع السبعة الكبار، باراك أوباما، انجيلا ميركل، دافيد كامرون، فرانسوا هولاند ميتيو رانزي، جيستان تريدو و شينزو اب. اجتماع لمحاولة إيجاد إجابات والتنسيق فيما بينهم لمواجهة التحديات العالمية الكبرى.

 البرنامج المسطر لهذا الاجتماع كان جد غني مع تزايد الأزمات، فالكوكب يحترق والآراء تتجاذب وتتضارب كما هو الحال بالنسبة للأولويات.

  • البيئة والاحتباس الحراري

فبعد اتفاق باريس من خلال كوب 21 للحد من الاحتباس الحراري تحت سقف 2 دراجات سلسيس، كان ولا يزال هناك عدة أمور يجب الانكباب عنها كالاحتباس الحراري فيما يخص مسألة الطاقات الأحفورية وبالأخص المسألة المتعلقة بالفحم.

فبينما تبقى التزامات الولايات المتحدة الأمريكية الحالية لتخفيض انبعاثات غازات الاحتباس الحالية غير كافية لإمكانية ضبط البيئة تحث حاجز درجتان، هناك العديد من المنضمات الغير الحكومية قد طالبات عند بداية الأسبوع الفارط من التوقف النهائي عن استغلال هذا النوع من الطاقة الأحفورية الجد ملوثة مع اللجوء وتطوير طاقات أخرى متجددة.

  • الأزمة الاقتصادية والنمو العالمي

إعادة النمو للاقتصاديات الدول من أهم الأولويات لدى مجموعة السبع. فمعظم الدول الصناعية استطاعة الخروج من أزمة 2008. لكن كيف الخروج من النمو البطيء الذي يطبعها حاليا لتمكين الاقتصاد العالمي من الإقلاع؟

داخل مجموعة السبع، على بعد شهر من الاستفتاء عن خروج بريطانيا عن الاتحاد الاوروبي، الكل متفق عن الخطر الذي يمتله هذه الخطوة في حالة تقرر الخروج عن أوربا. كما هو الحال بالنسبة للأهمية التي تفتضيه وجوب إيجاد التوازن بين السياسات المالية والسياسات النقدية والإصلاح البنيوي. لكن الاختلاف يبقى حول الاستراتيجيات التي يجب اتباعها. فألمانيا تترافع لصلح الحيطة والحذر من كل استعمال لسياسة مالية بمقابل إصلاحات بنيوية داخل كل دولة، بينما اليابان وإيطاليا، يطالبون بسياسات مالية « توسعية » للدول.

  • الأمن والتهديد الإرهابي

داعش التي كررت هجوماتها في العالم بأسره، تبنت الأسبوع الفارط مجموعة من العمليات داخل سوريا والتي ذهب ضحيتها أكتر من 120 قتيلا. بأوروبا وبعد باريس وبروكسيل، طالب التنظيم في نهاية مارس على ارتكاب نفس الهجمات بألمانيا. الدول السبع يريدون التنسيق فيما بينهم لتبادل المعلمات حول الإرهاب والإرهابيين، كما يريدون محاربة منابع التمويل الجهادي. من بين مجموعة القرارات التي تناقش تقوية التعاون بين مصالح الاستعلامات المالية والمساعدات العمومية للتنمية، الحد من المعاملات المالية المجهولة (حركات السيولة، بطائق الأداء مسبوقة الدفع….)

فبمبادرة من باريس، مجموعة السبع ناقشت كذلك « المحافظة على التراث التفافي من الهجمات الإرهابية » بعد تدمير كنوز تمبوكتو، ومتحف الموصل، ومآتر مدينة نيمرود أو ممعابد بالمير، حسب الوفد الفرنسي.

  • المهاجرون وأزمات الهجرة

إذ كانوا يهربون من الكوارث البيئية وتداعيات الجفاف والاحتباس الحراري، الحروب والاضطهاد كيفما كان نوعه (سياسي، طائفي، ديني….)، فعدد المهاجرين والمرحلين لا يتورى عن الصعود في مجموع المعمور.

ففي سنة 2015 تم إحصاء 60 مليون مهاجر عبر العالم. 1،3 مليون منهم دخل أوربا، ألمانيا استقبلت الثلث منهم، مما يعني الأغلبية التي اتجهت إلى أوربا. فبعيدا عن النقصان، الظاهرة في تفاقم. فحسب المنضمة العالمية للهجرة (OIM)، 174395 شخص تم التحاقهم بأوروبا خلال الأشهر الثلاث الأولي لسنة 2016، أي بثمان مرة أكتر عن نفس الفترة من سنة 2015 حيت لم يكونوا يتعدون « 21018 ».

في سنة 2016، الدول الأوربية غيروا من سياساتهم فيما يتعلق بالهجرة وكبح مد المهاجرين، وتجميد زحف مئات الألاف في طرق بلاد البلقان وبالشرق المتوسطي. فمند 18 مارس، من خلال اتفاق موقع بين الاتحاد الاوروبي وتركيا، الذي يقضي بأن تتكفل تركيا بأخذ كل مهاجر « غير قانوني » دخل الى اليونان، إلى غاية 30 مارس تم إحصاء 56814 مهاجر محاصر باليونان، بمسد ونيا، صربيا، بهنغاريا، بكرواتيا، ببلغاريا، وبسلوفينيا من طرف المنضمة العالمية للهجرة (OIM). حلولا لا يمكن أن تكون دائمة على مستوى مجموع الكوكب الأرضي.

فبينما أوربا في مواجهة أكبر أزمة هجرة لها منذ الحرب العالمية الثانية، مجموعة السبع ناقشت الموضوع « بمبادرة » من ألمانيا. فالهدف الأول لأنجيلا ميركل، التي لا تتوقع إمكانية وضع سياسة عالمية للهجرة، هو إبداء رأيها بأن أزمة الهجرة والمهاجرين لا يمكن لها أن تدبر من طرف بلد واحد (أي بلدها بمعنى آخر)، ولا حتي بالنسبة للبلدان 28 للاتحاد الأوربي كما أكد على ذلك دونالد توسك، رئيس المجلس الأوروبي، الذي طالب دول مجموعة السبع « للاعتراف بأنها أزمة عالمية » رغم الواقع الجغرافي الذي يجعل الحما كله على أكتاف الأوروبيين.

بدورها اليابان، التي تبنت موقف الإعانات المالية للدول التي يأتي منها اللاجئون، قررت منخ مساعدة بقيمة 5،38 مليار أورو للسلام في الشرق الأوسط بما فيها سوريا.

كما أنه على هامش اجتماعات مجموعة السبع، قام براك أوباما بزيارة لهور يشيما. زيارة تاريخية لرئيس أمريكي لايزال في السلطة للمدينة التي دمرت في 6 غشت من سنة 1945 بأول قنبلة ذرية في تاريخ البشرية والتي ألقتها الولايات المتحدة الأميركية على اليابان لإنهاء الحرب العالمية الثانية دون تقديم اعتدار على ذلك، في مقابل رفض لليابانيين لأن يقدم اعتدار لذلك بدعوى لجوء الأمريكيين لقوة غير متكافئة مع الوضعية التاريخية القائمة أنداك. زيارة تأتي في مناخ تجادبي مع الصين في بحر جنوب شرق اسيا وبناء جزر اصطناعية لمنصات إطلاق صواريخ.

 

الإشهار و التلفزة: أية حماية قانونية للمشاهد؟

عبد العالي تيركيت

رئيس الجمعية المغربية لحقوق المشاهد

ثم أخيرا المصادقة على القانون رقم 83.13 المتمم للقانون 77.03 المتعلق بالاتصال السمعي البصري و الذي يحرم الإشهار الذي يتضمن إساءة للمرأة، أو ينطوي على رسالة من طبيعتها بث صور نمطية أو تكرس دونيتها أو تدعو للتمييز بسبب جنسها. كما ثم منع الإعلانات الإشهارية التي تسيء للأشخاص بسبب أصلهم أو جنسهم أو انتمائهم أو عدمه لمجموعة عرقية أو لأمة أو لديانة.

كما يمنع القانون الجديد الوصلات الإشهارية التي تعرض السلامة الذهنية و الجسمية و الأخلاقية للأطفال و المراهقين للخطر. و كذلك الإشهار الذي يروج خطابا إشهاريا لأي منتوج أو خدمة مضرة بصحة الأشخاص، كالأسلحة النارية و المشروبات الكحولية و السجائر بكل أنواعها و ألعاب اليانصيب و الرهان، أو أي مادة يكون استهلاكها مشروطا بالحصول على إرشادات مهني مختص مثل الأدوية.

فبجانب هذا القانون، ترتكز القواعد الأساسية لتنظيم الإعلانات التجارية فيما يتعلق بالجودة داخل البرامج التلفزيونية و الإذاعية، في جميع الدول بما فيها المغرب، على بعض المبادئ الأساسية و التي يمكن تلخيصها فيما يلي:
•       على الاتصالات التجارية أن لا تنتهك كرامة الإنسان،
•       أن لا تشمل الإعلانات التجارية السمعية البصرية أي تمييز على أساس الجنس أو الأصل العرقي أو الإثني أو الجنسية أو الدين أو المعتقد أو الإعاقة أو السن أو التوجه الجنسي، وأن لا تشجع أي تمييز؛
•       كما يجب على الاتصالات التجارية السمعية البصرية ألا تسبب أي أذى جسدي أو معنوي للمتلقي كيفما كان نوعه مع بدل مجهود مضاعف فيما يخص القاصرين و الفئات الهشة.

لكن، في الممارسة ومن خلال رصد الإعلانات التجارية في المغرب، نجد أن هذه المبادئ لا يعار لها إي اعتبار، فالأدوار و المواقف و الأماكن التي يظهر فيها الرجال والنساء في الإعلانات، رسائل صريحة أو ضمنية يبعث بها من خلال النوع و من خلال اللغة غير اللفظية، واللون، و من خلال الإيماءات و الوصلات الغنائية المرفقة لهذه الإعلانات: صور نمطية بين الجنسين من خلال المهن المزاولة، فالمرأة يتم تقديمها في الصور الإعلانية داخل المنزل بينما الرجل أكثر اهتماما بالحياة العامة.

أما من الناحية النفسية، فيبقى الرجل، في الوصلات الإشهارية، نشيطا، مستقلا، صامتا و جديا بينما المرأة فهي في معظم الأوقات سلبية، تابعة ثرثارة و سعيدة.

فالاتجاه في الإعلانات التجارية التلفزية يعزز أساسا المحتوى الإعلاني المشبع بالصور النمطية، بما في ذلك الجنس، والصورة المتحيزة ضد المرأة والأحكام المسبقة. فالصور و الإعلانات مبنية، بين الإناث و الذكور، من حيث الخلافات بدلا من أوجه التشابه، بين النموذج المقترح والواقع. فالأنوثة يتم تشجيعها و لكن كمرادف للشباب والجمال، بينما الذكورة تبقى مرادفة لنضج والنجاح في الحياة العامة.

تعتبر الصور، النمطية بين الجنسين في الإعلانات التلفزيونية، المرأة كأنها المعنية الوحيدة بالحياة المنزلية، فهي المعنية الوحيدة لتعزيز النظافة ومنتجات التنظيف، والمنتجات المنزلية، والمواد الغذائية. ويبقى الدور المفضل للمرأة في الإعلان هو أم / ابنة … مؤطرا بالخصوص في الكون الأسري، كما أن أكثر المهن شيوعا بين النساء يبقى الغسيل والطبخ، مع الحرص على النظافة الشخصية. أما أبعاد النوع الاجتماعي، الإقليمي والترابي في الإعلان فغالبا ما النساء تظهر في الصور بالداخل بينما الرجال يظهرون في مناطق واسعة و في الطبيعة، وبالتالي يتم توحيد الانقسام المجال العام – التي يهيمن عليه الرجال، والمجال الخاص كمدينة للمرأة.

فهل القانون لوحده جدير بأن يضبط هذه الممارسات المتجذرة في اللاوعي لبعض المنتجين و المتعهدين للإشهار؟

أما فيما يخص الأطفال و المراهقين فإنهم مستهدفين من طرف المعلنين للحصول على قوتهم الشرائية المباشرة (مصروف الجيب) و غير المباشرة (تأثير مشتريات الوالدين) كما أن استقطاب مستهلك صغير يعد مستهلكا دائما، فالهدف من استهداف الشباب، هو ضمان مستقبلا للعلامة التجارية.

فالمستشهرون يتعرضون للأطفال والشباب لأنها تعتبر شريحة ضعيفة في المجتمع. فهم لا يمكنهم حتى التعرف على الطبيعة التجارية و استراتيجيات التسويق المستخدمة للوصول إلى القدرة المعدية العالية لديهم فهم ناقلات للتواصل لنشر الرسالة الإشهارية أكثرمن أي أداة بثمن بخس.

ففي هذا الصدد، فالمتخصصين في الاتصالات والإعلانات، سواء كانوا مشتغلين مباشرة على الموضوع أو مراقبين مطلعين عليه، فإنهم متفقين على نقطة واحدة: أصبح الطفل ركيزة استراتيجيات التسويق. فهو الواصف الأساسي للمشتريات في معظم الوحدات الأسرية.

إن التركيز على الأطفال في استراتيجيات التسويق و الإشهار يعد مخالفا للاتفاقيات الدولية لحقوق الطفل لعام 1989و التي تحدد بشكل أدق مصطلح « طفل » كما يعد مخالفا للقانون المغربي.

فالطفل يعد طبقا للاتفاقيات الدولية « […] كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة، ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق على الطفل”. كما أن القانون المغربي يعتبر راشدا كل شخص بلغ ثمان عشرة سنة شمسية كاملة في مفهومه.

فإن كان الغرض من الإعلان هو الدفع لشراء المنتجات، وهذا يعني عمليا أن تتعاقد على شراء السلع أو الخدمات، فهل هذا طبيعي بالنسبة للأطفال الذين لم يبلغوا سن الرشد ولا زالوا تحت الوصاية من وجهة النظر القانونية أكثر تعرضا للإعلانات من الكبار؟

من هنا و نظرا لهذه الاعتبارات ذات الأهمية خاصة، يجب أن يتوقف استخدام الطفل لأغراض التجارية. فالنظام الحالي لنشر إعلانات المواد الغذائية يشكل مشكلة لصحة العمومية. فمعظم المواد التي يتم التسويق لها هي مواد ذات سعة حرارية و سكرية مرتفعة مما يجعلهم عرضة للسمنة و لأمراض مزمنة.

فكجزء من إستراتيجية عالمية لمكافحة الأمراض المزمنة، فقد حثت منظمة الصحة العالمية الدول على اعتماد قانون لتنظيم تسويق الأطعمة والمشروبات للأطفال. بالإضافة إلى التوصية الحظر على الإعلان في الأماكن التي يرتادها الأطفال مثل المدارس والمتنزهات ومراكز الرعاية النهارية، والعيادات، وغيرها من الملاعب الرياضية، كما اقترحت منظمة الصحة العالمية للدول الأعضاء على إيلاء اهتمام خاص لجميع أشكال التسويق لإنشاء علاقة بين الطفل والعلامة التجارية.

ونظرا هذه العوامل و غيرها، يجب علينا العمل للحد من إعلانات التلفزيونية التي تنقل العديد من الصور النمطية بما في ذلك الخلفيات الاجتماعية والعرقية، والاختلافات نوع، وأدوار الانقسام النوع الاجتماعي، الخ. و واحد من أسوأ هذه الصور النمطية تلك التي يروج لها على نطاق واسع، و الذي يميل إلى اعتبار الجسد الأنثوي شيء ماديا

كما أن النظام الحالي للمراقبة الاحقة للإعلانات التلفزيونية لا يعطي الضمانات اللازمة و الكافية لمنع مثل هذه التجاوزات التي تؤدي إلى قلق خاص في المجتمع، وخاصة من حيث العنف في الحياة اليومية وذلك بوضع لجنة للمراقبة القبلية للإشهار.

في هذه المرحلة من المراقبة، هناك واقع واضح: فالأطفال والمراهقون يعانون من الخطر في مواجه مع الإعلانات التلفزيونية، والتشريعات الحالية لديها أوجه قصور خطيرة ضد ذلك.

و مما لا شك فيه كذلك، التنظيم و الرقابة الذاتيين التي تنفذ من قبل المعلنين لا يعملان. ولذلك، فالأمر متروك للبرلمان لتعزيز إلى حد كبير خطة حماية الطفل والمراهقين في مواجهة آثار الإعلان بشكل عام و في التلفزيون بشكل خاص.

سياسة المنطق و منطق السياسة

عبداالعالي تيركيت

إن العلاقة المتعدية في الرياضيات لا يمكن تطبيقها في عالم السياسة فليس صديق الصديق هو بالضرورة صديق، كما ليس عدو الصديق هو بالضرورة عدو، كذلك، فعدو العدو ليس بالضرورة صديق….. و هذا ينطبق في السياسة الداخلية للبلد، كما ينطبق على العلاقات الدولية بين الدول.

ففي السياسة الداخلية، تجد أن الإسلامي عدو المحافظ و صديق الشيوعي، و الشيوعي عدو الحداثي و صديق الليبرالي، و الليبرالي صديق التقدمي و عدو الوسطي….و عندما تسألهم لماذا هذا الجفاء بين الألوان القريبة و التناغم بين الألوان المتنافرة يقدمون مصلحة الوطن كأمر يلزم التآزر و أن من ليس معنا فهو بالضرورة ضدنا.

إن المنطق يفرض نسقا لا يمكن الخروج منه إلا و صرت خارج السياق و النتائج بالضرورة خاطئة، بينما في السياسة تجتمع الأضداد و المنطق يبقى بدون منطق….. فحزب في الحكومة يتناغم مع حزب في المعارضة، وأخر في المعارضة يعزف نغمة مكون آخر في الحكومة، و كل طرف من الآراء إما معنا أو ضدنا…. فقسم مكون من حاكم و معارض يحارب حرية الإبداع أو الرأي بدعوى الأخلاق و القيم الدينية و فرض الوصاية على الفكر؛ و الطرف الآخر يدافع عن مشاهد فاضحة و كلام ناب بدعوى عدم الرجوع إلى الوراء و الانتفاضة ضد التزمت و الظلامية، وهدفهم، المعلن على الأقل، جميعا هو الرفع من قيمة المجتمع و تطوره و ازدهاره و الرفاه لمجتمعه….

الكل يحمل قيما نبيلة، و المنطلق لدى الجميع: الحرية الفردية، و الغاية: رؤية مثالية لمجتمع و لعقد اجتماعي متميز. ألم يكن هذا المنطلق و تلك الغاية هي التي انطلقت في جميع نسق الفلسفية و السياسية التي مرت بأوربا و لامتداد خمس قرون و ما يزيد؟، ألم تكن الحرية الفردية هي المنطلق الموحد لجميع التيارات، و التي أعطت في النهاية الليبرالية بجميع فروعها، المتوحشة، الاجتماعية، الكاثوليكية…، كما أعطت بنفس المنطلقات، الاشتراكية و الشيوعية…..:كما أعطتنا النازية و الديكتاتورية ……

إن محاولة البحث عن توازن في المجتمع يحقق جميع الأهداف الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية، توازن يكون الأعلى و الأقصى لجميع أفراد المجتمع ليس بالضرورة حسب سياسة المنطق هو الأمثل و الأفضل للمجتمع. فالتوازن الأمثل هو ذاك التوازن الذي لا يمكن أن ترفع المنفعة لشخص دون أن تؤذي شخصا آخر، بينما في التوازن الأقصى فيمكن أن يكون ولو على حساب فرد أو مجموعة أفراد أخر، ولكن المنطق يقول بوجوب الاجتهاد لمحاولة إيجاد صيغة لتقريب الأمثل من الأعلى….

لا يمكن تلخيص النقاش الدائر، في المجتمع الآن، حول حرية الأفراد في ازدواجية أنت مع أو ضد، لأن الحرية الفردية شيء مسلم به للجميع. كما لا يمكن تلخيص الأفكار بين يميني و يساري لكي ندرك دلالاتها، لأن إذا فعلنا ذلك نرتكب فقط حماقة. حماقة إذا اعتقدنا أن جهة من الجهات أنها تحتكر الخير و الفضيلة و الفطرة السليمة وكذلك الرخاء. لا ينبغي أن يكون مجرد اتهام شخص بأنه يمني ليتم استبعاده و تسجيله بين أوباش البشرية الذين لا يمكن أبدا أصلاحهم، كما لا يمكن مجرد اتهام شخص بأنه يساري ليتحول إلى شخص غير مسؤول حالم و مجرد ميكروب من الطفيليات المصاصة لثدي الدولة الراعية.

لا زال هناك حدود لهذه الرؤية المبسطة للسياسة، التي تحول في نهاية المطاف كل معسكر إلى العدو اللدود للمعسكر الآخر. « اليسار » يثير حنقي و غضبي عندما يعتقد أن له وضعية احتكار للقلب، و « اليمين » يثير حنقي و غضبي عندما يعتقد أن له وضعية احتكار للحقيقة. و الاثنين يثيران حنقي و غضبي عندما يتخيلان أنهما في حرب يجب إتمامها بين رؤيتين مختلفتين لا يمكن نهائيا التوفيق بينهما لأجل الصالح العام. لأن التخيل « للحرب التي يجب إنهائها » لا يمكن بأي حال أن يعطي الفرصة للفطنة المبطنة للصالح العام، و المصلحة العام، و اللذان لا يمكن أن يتركا أسيرين لنظام أيديولوجي واحد.

هذا لا يعني أنه ليس هناك مبادئ جذريا متناقضة. لا يمكننا و لا يجب علينا أن نكون متفقين مع كل شيء. و لكن هذا يعني أن نتجنب أن نكون مستبدين مع كل خلاف نريد أن نجد له تسوية، و تحويل كل خلاف واقعي إلى عذر للشيطنة. السياسة هي الحفاظ على تماسك بمبادئ متناقضة لكنها ضرورية. لأن الحالة الإنسانية معقدة و لا تنهل من فلسفة واحدة في نظام إيديولوجي واحد. إذ كنا لا نطلب من معسكر واحد أن يتبنى هذا التعقيد، لأنه لا يمكن لأي أحد أن يدعي أن له حكرا على حالة الإنسان، يمكننا أن نطلب من الجميع عدم شيطنة الآخرين، الذين هم في المعسكر المقابل يبحثون على تركيبة سياسية و تاريخية خاصة بهم، ما بين قيم و مبادئ التي تتوالد بهم حالاتنا الشخصية، الاجتماعية و التاريخية. لهذا فمنطق السياسة مختلف على سياسة المنطق. رجل السياسة الكبير ليس ذاك الذي يذوب فكره في منطق مطلق غير مشروط، ولكن ذلك الذي يمكنه أن ينسق بين مجموعة من النظم المنطقية المختلفة من أجل الصالح العام.

إن دور المثقف لا يجب أن يكون هو المصادقة على هذه الفئات و الزيادة في تطرفها، و لكن بالتحديد، هو التفكير من خارج هذه المحارب الإيديولوجية حيث يحاولون اعتقال الناس بشكل فج. يجب على المثقفين أولا، أن لا يتصرفون كإيديولوجيين و لكن كباحثين يحاولون فك شفرة الأخبار الآنية و النضر إلى كيفية استكشاف الصيرورة التاريخية، داخلها، بوتيرتها الخاصة. فقبل أن يختار بين الأخير و الأشر، على المثقف أن يفكر في العصر، في معالمه وفي محتواه. هذا لا يعني أن المثقف لا يمكن أن يكون حاملا لقضية، ولكن كما كان يحلو لريموند آرون أن يقول، أن يكون حاملا لقضية ليس كمناضلا ولكن كمتفرج مشارك. و كقناعة شخصية، يمكنني أن أقول مهما كان المثقف ذا قيمة، مهما كان من الصعب تصنيفه يمينيا أو يساريا. و حتى لو تحقق ذلك، ففكره يتجاوز دائما الفئات الإيديولوجية الضيقة التي نحاول تصنيفه و خنقه فيها. قد يقول أنه يميني أو يساري، لكنه أبدا لن يقول أنه فقط مع اليمين أو فقط مع اليسار.

الخطر الآتي من الشمال

عبد العالي تيركيت

كثرت في الأيام الأخيرة التحركات الدبلوماسية على المستوى الأوروبي لإيجاد مخرج لعاصفة المهاجرين الغير الشرعيين التي تجتاح حدودها، خصوصا بعد فواجع الغرق في السواحل الإيطالية، رغم كون الهجرة المتجهة إلى أوربا تبقى جد ضعيفة مقارنة مع ما تعرفه هذه الظاهرة على المستوى العالمي. فالهجرة ظاهرة عالمية و أكثر من تسعين بالمائة يعرفها الجنوب، وتبقى دولة كباكستان من أكثر الدول التي تعرف وقع هذه الجيوش النازحة، بينما أوربا لا تعرف سوى 1.7 مليون مهاجر. هذا الرقم الذي ينتقل إلى 30 مليون إذا أضفنا عليه مخزون المهاجرين الذي تتوفر عليه أصلا و الذي يتكون من حوالي 20 مليون آتية من خارج أوربا، هؤلاء المهاجرون الذين يبقون ذوو قيمة عالية لأوربا في ظل الشيخوخة الديموغرافية التي تعرفها رغم الاستغلال السياسي و البسيكولوجي الذي يستعمل لهذه الظاهرة كتهديد للهوية الأوربية و لطريقة عيشها في ظل عولمة متوحشة.

فالسؤال المطروح على الدبلوماسيين و الساسة الأوربيين هو كيفية إيجاد توافق بين الاستفادة اقتصاديا و ديموغرافيا من هذه الأمواج الآدمية و بين الشعور لديهم أمام هذه الأمواج بالعجز و فقدان السيطرة على الظاهرة. من هنا يطرح عليهم سؤال الأولويات في معالجة الموضوع. فالأولوية العاجلة بالنسبة لهم هو إيقاف كابوس الغرق الذي صفع الرأي العام الأوربي وذلك بالرفع من مستوى الإنقاذ و بمحاولة منع الانطلاقة من السواحل الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط حتى إذا استدعى ذلك فرض حصار على الموانئ المصدرة للظاهرة و تدمير المراكب المستعملة، و لو استدعى الأمر طلب مساعدة الأسطول السادس الأمريكي المرابط في حوض البحر المتوسط. لكن القوة لن تحل الإشكالية، لكن ممكن أن تخفف منها لفترة محددة و قصيرة لأن مهربي البشر سوف يجدون حلولا للخروج من بين أعين الشبكة و لو أستدعى الأمر الدفع بأكبر عدد ممكن من المهاجرين لركوب المخاطر في آن واحد. في نفس الوقت، و على المستوى الداخلي لأوربا كيفية توزيع المهاجرين الذين استطاعوا العبور بين جميع الدول الأوربية لتخفيف الضغط على البلدان الحدودية أو تلك التي ينوي أصلا المهاجرين الوصول إليها. في هذا الباب فالنقاش الآن بين الساسة الأوربيين هو التمييز بين نوعية المهاجرين: بين طالبي اللجوء، و المهاجرين لأسباب اقتصادية. فإن كان بالنسبة للشكل الثاني هو الرفض للبقاء و الرجوع إلى بلدانهم لأن الدول الأوربية تريد هجرة مختارة و وفق حاجياتها الاقتصادية الآنية و المستقبلية و وفق مهارات تحدد معاييرها، فالمشكل يبقى لديها في الصنف الأول و صعوبة إعادة المهاجرين إلى بلدانهم خصوصا إذا كانت هذه البلدان المصدرة تعرف اضطرابات سياسية أو نزاعات حربية، و محاولة المهاجرين الاقتصاديين الاستفادة و الاختباء وراء اللاجئين و وضعيتهم للاستقرار بأوربا. مشكلة اللاجئين هاته حاولت الدول الأوربية إيجاد حل لها من خلال وضع نظام للحصص يأخذ بعين الاعتبار وضعية كل دولة من خلال الارتكاز على بعض المعايير مثل الدخل الخام للدول و عدد السكان. لكن هذا النظام لا يزال يعرف بعض المعارضة من بعض الدول التي تحاول أن لا يكون بطريقة منهجية ولكن ليأخذ بعين الاعتبار كذلك أعداد المهاجرين الموجودين أصلا فوق التراب الوطني لكل دولة و التسويات التي كانت قد وقعت في السابق لأفواج المهاجرين التي كانت فوق أراضيها,

بعد هذه المرحلة العاجلة سوف يحاولون تحسيس بلدان العبور بالظاهرة ووضعهم أمام مسؤولياتهم، هذه السياسة التي كانت متبعة و أعطت أكلها في بعض الأحيان تصطدم بالواقع الليبي الراهن و الصراع الموجود حول السلطة بين الفرقاء الليبيين منذ سقوط القدافي. فليبيا تعرف الآن حكومتين و برلمانين متصارعين، زيادة على فصائل و منضمات إرهابية من كل طيف. فسوف لن يبق أمام الأوربيين سوى رفع الضغط بصفة متحدة، و بمشاركة دول الجوار، و الرفع من مستوى التهديد العسكري على الأطراف المتنازعة في ليبيا جميعا و بدون استثناء لإيجاد حل متوافق عليه بينهم.

من هنا يمكن بدأ تفكيك شبكات الاتجار في البشر و التهريب بطريقة ممنهجة من بلدان التصدير إلى بلدان الاستقرار. هذه المحاربة الممنهجة لا يمكن أن تعطي أكلها إلا بتناغم بين قوانين الدول الأوربية و شرحها و تدبيرها في بلدان التصدير حتى يتمكن من يحاول الهجرة معرفة مصيره قبل أخذ تدابير مغامرته.

لكن محاولة الحد من هذه الظاهرة و في عمقها الآني و بمحاولة فرض القوة العسكرية خصوصا بعد أن اتجهت الدول الأوربية إلى مجلس الأمن لأخذ الشرعية لملاحقة شبكات التهريب فوق أراضي العبور و بلدان الانطلاقة من الممكن أن يعطي نتائج معكوسة و غير محسوبة بالنسبة لدول العبور خصوصا في هذه الظرفية الغير مستقرة و التي يمكن أن تؤدي إلى انفجار المنطقة برمتها. فخنق المهربين بحريا و ملاحقتهم و تدمير قواربهم لن توقف موجة المهاجرين و استمرار صعودهم نحو الشمال، و تمركزهم و تكتلهم في دول العبور سوف يقوي الضغط على هذه الدول و على اقتصادياتها الهشة، أو محاولات، إذا كثر أعدادهم، و الإحصائيات تقول أنهم بالآلاف، كالمهاجمة على الثغور الإسبانية في المغرب و التي سوف تكون مأساة حقيقية يتحمل مسؤوليتها الجانب الأوروبي.

إن حل الأزمة لا يمكن إلا أن يكون سياسيا و اقتصاديا. سياسيا في أوربا و قبل كل شيء من خلال تجريد المصداقية من الذين يستغلون الخوف و المقاربات الثنائية المانوية التي لا تعرف إلا الصراع بين الخير و الشر و الأبيض و الأسود و لا يمكن أن تكون هناك مسحة باطنة. ثم حلا عبر نظرة شمولية للإشكالية بتفاوض و دراسة تشمل الدول المصدرة و دول العبور فدول الاستقرار. فالمهاجرون ليسوا فقط أفارقة من دول الساحل و جنوب الصحراء، بل هم كذلك من دول شرق البحر الأبيض المتوسط من سوريين و عراقيين و فلسطينيين و يمنيين، وسوف ينضم إليهم مصريون جدد إذا ما استمرت الأزمة السياسية و بالخصوص الاقتصادية…… فلا يجب أن ننسى أن ما كان يسمى بالربيع العربي هو في الأول وقبل كل شيء مطالب اقتصادية و اجتماعية بالدرجة الأولى.

ففي ظل المشاكل السياسية و الأمنية التي تعيشها دول جنوب الصحراء و دول جنوب و شرق دول البحر الابيض المتوسط، فالتنمية الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية لمنطقة البحر الأبيض المتوسط و امتداداتها الداخلية لدول الساحل و جنوب الصحراء و الشرق الأوسط يبقى هو الحل عوض تزكية الانشقاقات الإثنية و الدينية و السياسية لمحاولة السيطرة على مصادر الطاقة و المواد الأولية و معابر التجارة الدولية. فالصراع على النفوذ الاقتصادي الذي يؤثت فضائه الدول العظمى من الصين و روسيا و الولايات المتحدة و انجلترا البعيدين على الحوض و الدول الخليجية بقوتها المالية و إيران بسباقها النووي و إسرائيل بعنصريتها المفرطة، والتجاذب على الثروة الغازية في المياه البحرية و تقطيع الحدود البحرية بين مصر و فلسطين و إسرائيل و تركيا و قبرص، و السيطرة على منابع المياه بين تركيا و إسرائيل و العراق و سوريا….. سوف تجعل الضفاف كلها للبحر الأبيض المتوسط على فوهة بركان سوف يعصف بالمنطقة كلها حيث الهجرة تبقى فقط بادرة من بوادر التصدع الذي يحدق بالمنطقة……

إنه بدون إحياء إطار عام و شامل لهذه المعضلة في دول الحوض و امتداداتها القارية في إطار رابح رابح دون إقصاء أو تعجرف أو حكم القوي، وفي نظرة شمولية مندمجة تأخذ بعين الاعتبار التكامل الاقتصادي لجميع الدول وأمنها الداخلي و الخارجي لن يعم أبدا الاستقرار في المنطقة. فأوربا التي عرف هرمها الديموغرافي انعكاسا تحتاج إلى طاقات شابة لتجديد الروح فيها، كما أن اقتصادياتها المتأزمة تحتاج إلى أسواق في الجهة الأخرى و إلى تمويلات من الشرق، بينما دول العبور محتاجة إلى دعم استقرارها عوض تهديده و المساعدة على ولوج التطور و الركب التكنولوجي و تثبيت البنيات التحتية و الجامعات من خلال شركات بين مراكز البحت العلمي بين جميع الدول لتمكين كل مرشح للهجرة يجد في بلاده و بلدان العبور نفس المقومات التي يبحث عنها في الضفة الأخرى. هذا التكامل الاقتصادي لا يمكن أن يكتمل دون حل لإشكاليات الحدود البحرية بين الدول و الثروات الطبيعية و الطاقية الموجودة فيه من خلال إنشاء منظمة تسهر على الاستغلال المشترك بين الدول و بناء قنوات تحت البحر تمكن من تصريف الطاقة سواء كانت تقليدية أو متجددة. فالقاسم الحضاري المشترك بين هذه الدول يفوق بكثير ما يفرق بينهم.

نحن جميعا مشاهدون

نحن جميعا مشاهدون، ونحن جميعا نعيش في عهد السمعي البصري والتلفزيون. لكننا، مع الأسف، لا نزال نعيش في عدم الاعتراف بهذا العهد.

اليوم، بعد العمل والنوم،المشاهدة والاستماع للتلفزة يعد النشاط الذي يحتل معظم وقت الفراغ لدينا.

فقد اتخذ نشاط المشاهدة موقعنا هاما على أنشطتنا الترفيهية الأخرى، ننفق الآن وقتا أقل في نزهات والمناسبات الاجتماعية خارج المنزل، وننفق كذلك وقت أقل في الاستماع إلى الراديو أو القراءة أو الذهاب إلى دور السينما. أما في حالة أطفالنا و أبنائنا، ونحن كلنا على علم بما فيه الكفاية، فإن الوقت الذي يقضونه في رؤية التلفزة يفوق عن بعد مجموع ساعات التي يقضونها في المدرسة أو العمل الأكاديمي.

نحن جميعا مشاهدون، لأنه في الأساس، نحن جميعا ننظر إلى التلفزة، وقبل كل شيء، لأننا نعيش في ومع وجود التلفزة.

كونونا مشاهدون قد أصبح نمط الحياة المعاصرة التي لا يمكن أن تقتصر على البيانات الكمية الوحيدة لعرض الوقت الذي يستوحي المذيعين.

بالنسبة للكثيرين منا، لا يمكننا الهروب من التلفزة، وهي جزء من الطقوس اليومية لدينا مع عدم إدراك ذلك. إنها واحدة من حياتنا، ويتجلى ذلك في ردة فعلنا التلقائية لتشغيل الجهاز بنفس العفوية وبنفس الحرص الذي نضعه في أكتر الإيماءات اليومية المألوفة لدينا.

بالنسبة للكثيرين منا، العيش بدون تلفزة هو مثل الحرمان من قهوة الصباح أو من يوم بدون أشعة الشمس. يوم من دون تلفزة، هو كيوم تعيش فيه على الهامش بمحاذاة أطراف العالم والانسحاب من الاستماع إليه، هو يوم تعيش فيه دون تواصل مع العالم. أكتر من ذلك، هو أنك تفقد الشعور بالانتماء والمشاركة في الحياة الاجتماعية، أن تكف عن أن تكون متصلا. نعيش مع الحاجة الحميمية للتلفزة. بل هي أيضا، بها و بواسطة الاتصال التلفزي التي تشكله، تنقل اليوم الجزء الأكبر تشكيل ونقل المعلومات اللازمة لتشغيل وتطوير الحياة الاقتصادية والسياسية والثقافية لمجتمعاتنا. التلفزة واقع ثقافي في حياتنا المعاصرة.

التلفزة في كل مكان، لكن بشيء من المعنى نشاهدها دون أن ننضر فيها. ندعها تتكلم لنا وتبين لنا الكثير من الأمور التي نحاول أن تختار بينها. أصبحت التلفزة تدريجيا بالنسبة لنا بمثابة الفقاعة التي نلجأ إلى داخلها، ننفرد فيها، مسترشدين في ذلك حركة العصي السحرية لحرفيي القطاع الدين يحركوننا على إيقاعات الأصوات و الصور من خلالنا، تخترقنا عميقا في داخلنا دون وجود انطباع لدينا أنه يمكننا فعل شيء تجاه دلك. الأصوات والصور تدفق فينا، تخترقنا، تتسلل إلى ما وراء وعينا إلى مستويات عميقة جدا، كما لو كانت أحلاما.

نحن ما زلنا نعيش مع فكرة أن التلفزيون هو في المقام الأول للترفيه، و لكن نحن لم نتوقف، علاوة على ذلك، من الشك في أنه في كثير من النواحي لديها تقريبا نفس قدر مؤسسات الأسرة والمدرسة والصحة في نوعية حياتنا الشخصية والاجتماعية. التلفزة تتكلم إلينا كثيرا، لكن لا يمكننا التكلم معها، وأسوأ من ذلك، نحن لا نعرف حتى الآن كيفية التحدث عنها أو حتى كيفية الاستمتاع بها. التلفزة تبقى بالنسبة لنا بعيدة المنال، غامضة و لا يمكن المساس بها. ولكن أيضا، نجد أنفسنا، نحن المشاهدون، كمفهوم في وضع بعيد المنال.

التلفزة مسألة في غاية الجدية وتملي علينا البحت على أدوات أخرى غير دليل البرامج. نعم، فالتلفزة مسألة تهم الأسرة، مثل المدرسة و المجتمع. فمن خلال وجهة نظر هؤلاء الدين يجعلونها مادة استهلاكية يومية، أطفالا و كبارا، علينا أن نبدأ في إيجاد السبل التي تمكننا إلى معرفة أفضل السبل للاستفادة منها وجعلها رفيقا محفزا في أبحاثنا على جودة الحياة الشخصية والعائلية والاجتماعية.

يشمل هذا العمل تطوير نسق يعالج التلفزيون من منظور المشاهد كشخص، كمواطن وكمستهلك، وليس من وجهة نظر التي اعتدنا، وهو منظور المذيعين والحرفيين الذين يتحدثون عن التلفزة من خلال العروض المبرمجة و الحيز الزمني الذي نخصصه لهم نحن كمشاهدين.

العمل الذي يتعين القيام به، وتطويره من خلال المعرفة بتاريخ التلفزيون في ضوء تجارب المشاهدين الخاصة التي تم اكتسابها، من خلال الثقافة و التطور المعاصر لوسائل الإعلام. يتطلب هذا العمل التفكير في التدابير التي يجب القيام بها من أعمال فردية و جماعية بالنظر إلى الأهمية الاجتماعية للتلفزة و حث المسؤولين على قطاع التواصل و قطاع الثقافة و قطاع الأسرة و التعليم و البحت العلمي على الأخذ بعين الاعتبار في برامجهم الأهمية الاجتماعية للتلفزة. وأخيرا، فإنه يتطلب إعادة تعريف المسؤولية العامة لأصحاب ومديري و حرفيي القطاع السمعي البصري. كل هذا قد يبدو بدائيا ولكن نحن مرة أخرى لا زلنا في البداية. نحن جميعا مشاهدون الذين يجب عليهم دراسة تاريخهم واكتسابه و التعريف به، لكي في الأخير نتواجد كإنسان، كمواطنين، و كمستهلكين فعالين و كنقاد للمجتمع المعاصر، مجتمع المعلومة و الاتصال.

!….. إنك تبحث فقط عن الفضيحة

في كثير من الأحيان، ليس المهم ما يقال و لكن كيف يقال. القصد من وراء الكلمة، الصورة، الصوت، النص…. وردت أفكار صاخبة لتوجيه النقاش نحو فئة مهمشة، إلى التفكير فيها، لتوجيه النقاش حولها، لكن الصدمة كانت في السطحية وفي الكلام النابي و تشجيع الاحتقار و الصورة النمطية و كل ما يحاربه المجتمع من الرداءة ليس فقط إزاء صورة المرأة و لكن إزاء كل من يدور في فلكها.

ما يصدم، في هذه الحالة ليس فقط معالجة المعلومة. « الزين لي فيك »، آخر أفلام نبيل عيوش، يصير في نسق تواضع الأفلام الطويلة التي مول جلها من طرف دافعي الضرائب المغاربة و البعض الآخر من مؤسسات لا يخفى على أحد توجهاتها،و في نسق المهازل التي يقدمها للتلفزة… في هذا السياق المحنط، الذي دام لعدة سنوات، « الزين لي فيك »ليس استثناء في أعمال نبيل عيوش، بل القاعدة.

نبيل عيوش يخبرنا من خلال بطلاته في الفيلم أنه يسلط الضوء على نساء  » يحملن على أكتافهن مسؤولية الأسرة، ولكن قبل كل شيء يحملن، للأسف، نظرة المجتمع الذي يقاضيهن و يحكم عليهن دون محاولة معرفة كيفية وصولهن إلى هذه الحالة ».

كل شيء في الطريقة و الوسيلة. بمعنى ما نريد أن نعطي للكلمات و الصور. بمعنى آخر الإبداع و بذكاء، إخراج التحف و ليس النمطية و الكلام النابي. فيلم مبعثر، ناقص، غير منته، لم يقدم ولو نظرة على أصل المشكل و تداعياته على المجتمع، و طريقة توجيه الفنانين محشوة… إنك تبحث فقط عن الفضيحة.

مشروع فكرة الفيلم، على الرغم من عيوبها، جديرة بالوجود، لكن بالتأكيد ما لا تستحقه هي الطريقة التي تم بها إخراجه و كتابته و تنفيذه لكي يمثل المغرب أحسن تمثيل في الداخل و الخارج. ماعدا إن كان هناك شيء من الانتقام منا نحن المغاربة كمجتمع… رفض المركز السينمائي تمويله مرتين….أو للابتزاز من أجل مشاريع أخرى…. أو أننا شعب و مجتمع يترجم عنوان فيلمك نظرتك ونظرة ممولي مشاريعك لنا….آسفون و لكن ليس هذا هو الزين لي فينا… ولكن نحن شعب فوق ما تلتقطه عيون كاميراتك لنا…

يقول المخرج: « نحن فخورون بأن نعلن أن الفيلم تم اختياره في أسبوعي المخرجين ». ليس هذا ما يهمنا كثيرا، لأنه بالنسبة لنا كمشاهدين، المهم هو الموضوع و طريقة عرضه علينا و النص الموجه إلينا و ليس التقنيات المستعملة في صناعة الفيلم. نحن نشاهد المنتوج و ليس التقنيات المحضة التي تهم المخرجين بعيدا عن الموضوع المتناول.

فالإشكالية في النمطية و الصورة ودور « ماخور » لدول بعينها، و تثبيت ما جاء من بعض الفضائيات من صور على نسائنا، و أن اقتصادنا كله مبني على هذه الفئة من المجتمع، و بأنها سياسة و اقتصاد ممنهجين. أما ما جاء على لسان بعض الممثلين بأن الفلسطينيين باعوا أرضهم و أنهم من أكثر الشعوب نفاقا و جشعا…. فهذا أمر آخر يمكن من خلاله فهم رسائل المخرج وممولي أعماله و مروجيها…. وإلا فما جدوى إثارة موضوع عميق و متشعب في جلسة ماجنة و بذلك الأسلوب و بتلك الطريقة التي لا تخلو من تلميحات تصب لصالح جانب بعينه….

عبد العالي تيركيت

رئيس جمعية حقوق المشاهد