الإرث الحكومي……مسارات للتفكير

شهد الاقتصاد المغربي في خلال ولاية الحكومة الحالية فشلا في تحقيق رهان النمو الذي وعدت به المواطنين في انتخابات 2011. فالحصيلة الاقتصادية بعيدة كثيرا على التعهدات التي التزم به التحالف الحكومي في مكونه الاول أو الثاني ألا وهو تحقيق نمو بنسبة 5 في المائة على الأقل. بل على عكس الالتزامات فالحكومة سوف تترك لنا أوضاعا جد متأزمة سوف تستحوذ على اهتمام كافة الأوساط الاقتصادية والمالية كما سوف ستخيم على المواطن المغربي لعل أحد أهم تجليتها هي أزمة السيولة لدى المقولات الصغيرة منها والمتوسطة.

نقص السيولة ما هو إلا مؤشرا أو ظاهرةً لما هو أخطر من ذلك، إنها مرحلة الركود الاقتصادي الذي سوف تتركه الحكومة الحالية للاقتصاد المغربي والذي نعيش بشائره منذ مدة غير وجيزة. التعامل مع الظاهرة تم بشيء من العشوائية والتضارب كما تم بالتجاهل في مرات عديدة، الشيء الذي أدى إلى حدوث رد فعل متخبط لدى الأبناك رغم خفض السعر الفائدة المرجعي من طرف البنك المركزي لعدة مرات دون أن تخفض الأبناك من سعر فائدتها، مما جعل والي بنك المغرب إلى التصعيد من لهجته في أواخر السنة الفارطة وبداية هذه السنة، كما أكد ان الركود قد تم تسجيله و بأن النمو لن يتجاوز 1 في المائة. بعد أن استفحل الأمر وأصبح من الصعب تجاهله، بدأت الحكومة المغربية في الاعتراف به ومحاولة علاجه وإن كان للأسف الشديد جاء علاج ضعيف لا يتناسب مع حجم المشكلة ويصدق عليه القول القائل  » تمخض الجبل وولد فأراً  » حيث أعلنت الحكومة عن اتخاذها لقرار هام وهو ضخ النقدية في الأسواق عن طريق سداد مديونيتها ومتأخراتها للشركات وهذا في رأيي تصرف قاصر عن علاج هذه المشكلة لأنه في هذه الحالة فإنها تحاول علاج العرض فقط وهو نقص السيولة لدى المقولات في حين أنها تجاهلت المرض المسبب لهذا العرض وهو الركود الاقتصادي وهذا سيؤدي، في حالته القصوى، إلى علاج جزئي ضعيف الأثر في الأجل القصير وفي نفس الوقت ستتعقد المشكلة أكثر في الأجل الطويل.

إن الركود الاقتصادي يجب تناولها من ثلاث جوانب هم المشكلة، الأسباب، العلاج المقترح.

من المعروف أن الاقتصاد المغربي منذ الاستقلال وهو يتجه إلى العمل بآليات السوق وتحريره، وحيث أن العمل بسياسة السوق لابد من أن يترتب عليها تعرض الاقتصاد لحالات من الرواج والانكماش وهو أمر ليس قاصراً على المغرب فقط بل تتعرض له أقوى النظم الاقتصادية مثل الولايات المتحدة وانجلترا، كما إن التحرير الاقتصادي الكلي سيؤدي إلى وجود تقلبات اقتصادية نوعية على:

المدى الأول: التقلبات الاقتصادية قصيرة الأجل في الدخل الوطني Business cycle   وهي الدورة الاقتصادية التي تعكس التغيرات في النشاط الاقتصادي حيث يكون مستوى الدخل الوطني والتوظف مرتفعاً ومعدل البطالة منخفضاً وفيها يسود الرواج والتوسع، وفي فترات الركود والانكماش يكون كلاً من مستوى الدخل والتوظف منخفضاً ويكون معدل البطالة مرتفعاً وهذا ما يمر به الاقتصاد المغربي.

المدى الثاني: هو الاتجاه طويل الأجل في الدخل الوطني فله أهمية خاصة فإذا ما كان الاتجاه متزايداً بمعدل يفوق معدل السكان فإن هذا معناه أن نصيب الفرد من الدخل الوطني يكون متزايداً مما يعني ارتفاع مستوى معيشة الأفراد، أما إذا كان الاتجاه طويل الأجل في الدخل الوطني متزايداً بمعدل أقل من معدل زيادة السكان أو إذا كان متناقصاً فإن هذا يعني أن نصيب الفرد من الدخل يكون متناقص ومن ثم ينخفض مستوى معيشة أفراد المجتمع في المتوسط وهذا ما تحاول السلطات الاقتصادية والمالية تجنبه ومواجهته.

إذاً واقع الأمر أن الركود الاقتصادي  » وهو يطلق على بطيء حركة التبادل التجاري والمعاملات في الأسواق  » هو إحدى سمات الاقتصاد الحر وعلينا ما دمنا اتجهنا إلى هذا التحول أن نتوقع فترات من الركود وأخرى من الانتعاش ولكن علينا في نفس الوقت إدراك أن الاقتصاد الحر يعطينا من السياسات والأدوات والآليات ما يعين السلطة الاقتصادية على اتخاذ الإجراءات المناسبة في الوقت المناسب لمواجهة الأزمة قبل أن تتفشى وتستفحل وهنا يبرز دور الدولة في ظل اقتصاد السوق والاقتصاد الحر.

وعلى الرغم من أن ما نمر به حالياً هو شيء طبيعي ومتوقع إلا أن الحكومة تعاملت معه كأنه خطيئة يجب عدم الإعلان عنها والتكتم عليها وذلك في حين أن الظاهرة بدأت في الظهور منذ حوالي تلات سنوات.

وفي الوقت الذي أكدت فيه معظم الدوائر الرسمية وجود حالة ركود ظهر جانب آخر من الآراء الاقتصادية أكثر تفاؤلاً وإشراقاً إلى حد ما تفيد أن الحالة التي يمر بها الاقتصاد المغربي الآن ليست ركود اقتصادي أو نقص في السيولة بقدر ما هي اختناقات حيث أن الركود يحدث إذا كان معدل النمو الاقتصادي يساوي صفر لكن الواقع غير ذلك حيث أن معدل النمو يسير بصورة إيجابية. ومهما كانت المسميات المختلفة ركوداً أو اختناقات فإن الحالة العامة التي يعيشها الاقتصاد المغربي ليست في مصلحة جميع الأطراف ومن هنا وصلنا إلى مرحلة لا نبحث فيها هل يوجد ركود أم لا؟ هل يوجد نقص سيولة أم لا؟ إنما أصبح من الضروري البحث في الأسباب التي تكمن وراء هذه المشكلة حتى نستطيع وضع العلاج لها.

 

في هذه المرحلة من التحليل نصل إلى الحلول التي كان من الواجب على الحكومة الاتجاه إليها والأخذ بها حتى نصل إلى مخرج من هذه الأزمة التي تأخذ بخناق الاقتصاد المغربي وفي نفس الوقت تقدم بعض الحلول لمشاكل متراكمة منذ فترة بعيدة وساهمت بقسط كبير في أحداث هذه الأزمة وهذه الاقتراحات هي كما يلي:

ـ          قيام الدولة بسداد مديونيتها مع الشركات وخاصة في قطاع المقاولات الصغرى لأنه قطاع حيوي يرتبط به أكثر من 75 في المائة من الاقتصاد الوطني وبالتالي هذا سيؤدي إلى زيادة قدرة هذه الشركات على سداد مديونيتها للبنوك ومقاولي الباطن

ـ          سن تشريعات جديدة لمواجهة ظاهرة التهرب الضريبي والجمركي تكون رادعة لكل من تسول له نفسه أن يعمل في التهريب وفي نفس الوقت تقوية أجهزة الرقابة في الجمارك وتوسيع الوعاء الضريبي مع خفض مستوى النسب الضريبية.

ـ        العمل على مكافحة التهرب الضريبي بإجراءات كالتالي

‌أ- إجراء حصر ميداني لكافة الأنشطة الاقتصادية تم تحويله إلى نظام مستندي ثم إلى نظام الكتروني عند تغذية الحاسب الآلي به مع مراعاة التحديث المستمر للبيانات الموجودة فيه مما يسهم في التعرف على موقع الممول ونشاطاته ومعاملاته مما يقلل من فرص التهرب الضريبي

‌ب- تشديد عقوبة التهرب الضريبي لكل من المتهرب ومن يعاونه وإلغاء مبدأ القطاع الضريبي مع الممول الذي يتكرر تهربه من سداد الضرائب بحيث يدفع المستحق عليه.

‌ج- العمل على تخفيض الشرائح الضريبية ورفع حد الإعفاء وذلك لتشجيع الممولين على السداد، مع الإعلان عن منح تخفيض في قيمة الضرائب المقدرة للممولين المنتظمين في السداد للضرائب

زيادة العجز في الموازنة العامة من 3% إلى 6% مثلاً وضخ هذه النقود في الاقتصاد المغربي حيث يستخدم هذا العجز في توجيه طاقات إنتاجية عاطلة تؤدي إلى زيادة الإنتاج دون أن تؤثر كثيراً على زيادة الأسعار وذلك بمنحها للمنتجين في صورة قروض قصيرة الأجل

تخفيض العجز في الميزان التجاري من خلال اتجاهين

الاتجاه الأول: اتجاه الصادرات فلابد من اتخاذ الإجراءات الحاسمة التي تعمل على زيادة الصادرات المغربية.

الاتجاه الثاني: الواردات وهي الجانب الثاني في الميزان التجاري المغربي حيث يجب علينا العمل على تخفيض قيمة هذه الواردات إلى أقل قدر

العمل على زيادة سعر الفائدة على الودائع

مقاومة الفساد الإداري المتفشي داخل القطاعات الحكومية حيث أن هناك تزايد خطير في المؤشرات الدالة على استغلال الوظيفة العامة داخل قطاعات الدولة لتحقيق مكاسب شخصية.

مقاومة الإسراف الحكومي المبالغ فيه والمتمثل في زيادة عدد الوزارات بل وتقليص عدد السفارات والتمثيل الدبلوماسي لها وأيضاً تخفيض عدد الوفود المغربية مثل أعضاء مجلس النواب للدوران حول العالم وعمل ميزانية محددة للرحلات الخارجية مثل ما يحدث في أمريكا حيث أن هناك ميزانية للرئيس الأمريكي نفسه.

 

 

 

 

 

Laisser un commentaire