الإشهار و التلفزة: أية حماية قانونية للمشاهد؟

عبد العالي تيركيت

رئيس الجمعية المغربية لحقوق المشاهد

ثم أخيرا المصادقة على القانون رقم 83.13 المتمم للقانون 77.03 المتعلق بالاتصال السمعي البصري و الذي يحرم الإشهار الذي يتضمن إساءة للمرأة، أو ينطوي على رسالة من طبيعتها بث صور نمطية أو تكرس دونيتها أو تدعو للتمييز بسبب جنسها. كما ثم منع الإعلانات الإشهارية التي تسيء للأشخاص بسبب أصلهم أو جنسهم أو انتمائهم أو عدمه لمجموعة عرقية أو لأمة أو لديانة.

كما يمنع القانون الجديد الوصلات الإشهارية التي تعرض السلامة الذهنية و الجسمية و الأخلاقية للأطفال و المراهقين للخطر. و كذلك الإشهار الذي يروج خطابا إشهاريا لأي منتوج أو خدمة مضرة بصحة الأشخاص، كالأسلحة النارية و المشروبات الكحولية و السجائر بكل أنواعها و ألعاب اليانصيب و الرهان، أو أي مادة يكون استهلاكها مشروطا بالحصول على إرشادات مهني مختص مثل الأدوية.

فبجانب هذا القانون، ترتكز القواعد الأساسية لتنظيم الإعلانات التجارية فيما يتعلق بالجودة داخل البرامج التلفزيونية و الإذاعية، في جميع الدول بما فيها المغرب، على بعض المبادئ الأساسية و التي يمكن تلخيصها فيما يلي:
•       على الاتصالات التجارية أن لا تنتهك كرامة الإنسان،
•       أن لا تشمل الإعلانات التجارية السمعية البصرية أي تمييز على أساس الجنس أو الأصل العرقي أو الإثني أو الجنسية أو الدين أو المعتقد أو الإعاقة أو السن أو التوجه الجنسي، وأن لا تشجع أي تمييز؛
•       كما يجب على الاتصالات التجارية السمعية البصرية ألا تسبب أي أذى جسدي أو معنوي للمتلقي كيفما كان نوعه مع بدل مجهود مضاعف فيما يخص القاصرين و الفئات الهشة.

لكن، في الممارسة ومن خلال رصد الإعلانات التجارية في المغرب، نجد أن هذه المبادئ لا يعار لها إي اعتبار، فالأدوار و المواقف و الأماكن التي يظهر فيها الرجال والنساء في الإعلانات، رسائل صريحة أو ضمنية يبعث بها من خلال النوع و من خلال اللغة غير اللفظية، واللون، و من خلال الإيماءات و الوصلات الغنائية المرفقة لهذه الإعلانات: صور نمطية بين الجنسين من خلال المهن المزاولة، فالمرأة يتم تقديمها في الصور الإعلانية داخل المنزل بينما الرجل أكثر اهتماما بالحياة العامة.

أما من الناحية النفسية، فيبقى الرجل، في الوصلات الإشهارية، نشيطا، مستقلا، صامتا و جديا بينما المرأة فهي في معظم الأوقات سلبية، تابعة ثرثارة و سعيدة.

فالاتجاه في الإعلانات التجارية التلفزية يعزز أساسا المحتوى الإعلاني المشبع بالصور النمطية، بما في ذلك الجنس، والصورة المتحيزة ضد المرأة والأحكام المسبقة. فالصور و الإعلانات مبنية، بين الإناث و الذكور، من حيث الخلافات بدلا من أوجه التشابه، بين النموذج المقترح والواقع. فالأنوثة يتم تشجيعها و لكن كمرادف للشباب والجمال، بينما الذكورة تبقى مرادفة لنضج والنجاح في الحياة العامة.

تعتبر الصور، النمطية بين الجنسين في الإعلانات التلفزيونية، المرأة كأنها المعنية الوحيدة بالحياة المنزلية، فهي المعنية الوحيدة لتعزيز النظافة ومنتجات التنظيف، والمنتجات المنزلية، والمواد الغذائية. ويبقى الدور المفضل للمرأة في الإعلان هو أم / ابنة … مؤطرا بالخصوص في الكون الأسري، كما أن أكثر المهن شيوعا بين النساء يبقى الغسيل والطبخ، مع الحرص على النظافة الشخصية. أما أبعاد النوع الاجتماعي، الإقليمي والترابي في الإعلان فغالبا ما النساء تظهر في الصور بالداخل بينما الرجال يظهرون في مناطق واسعة و في الطبيعة، وبالتالي يتم توحيد الانقسام المجال العام – التي يهيمن عليه الرجال، والمجال الخاص كمدينة للمرأة.

فهل القانون لوحده جدير بأن يضبط هذه الممارسات المتجذرة في اللاوعي لبعض المنتجين و المتعهدين للإشهار؟

أما فيما يخص الأطفال و المراهقين فإنهم مستهدفين من طرف المعلنين للحصول على قوتهم الشرائية المباشرة (مصروف الجيب) و غير المباشرة (تأثير مشتريات الوالدين) كما أن استقطاب مستهلك صغير يعد مستهلكا دائما، فالهدف من استهداف الشباب، هو ضمان مستقبلا للعلامة التجارية.

فالمستشهرون يتعرضون للأطفال والشباب لأنها تعتبر شريحة ضعيفة في المجتمع. فهم لا يمكنهم حتى التعرف على الطبيعة التجارية و استراتيجيات التسويق المستخدمة للوصول إلى القدرة المعدية العالية لديهم فهم ناقلات للتواصل لنشر الرسالة الإشهارية أكثرمن أي أداة بثمن بخس.

ففي هذا الصدد، فالمتخصصين في الاتصالات والإعلانات، سواء كانوا مشتغلين مباشرة على الموضوع أو مراقبين مطلعين عليه، فإنهم متفقين على نقطة واحدة: أصبح الطفل ركيزة استراتيجيات التسويق. فهو الواصف الأساسي للمشتريات في معظم الوحدات الأسرية.

إن التركيز على الأطفال في استراتيجيات التسويق و الإشهار يعد مخالفا للاتفاقيات الدولية لحقوق الطفل لعام 1989و التي تحدد بشكل أدق مصطلح « طفل » كما يعد مخالفا للقانون المغربي.

فالطفل يعد طبقا للاتفاقيات الدولية « […] كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة، ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق على الطفل”. كما أن القانون المغربي يعتبر راشدا كل شخص بلغ ثمان عشرة سنة شمسية كاملة في مفهومه.

فإن كان الغرض من الإعلان هو الدفع لشراء المنتجات، وهذا يعني عمليا أن تتعاقد على شراء السلع أو الخدمات، فهل هذا طبيعي بالنسبة للأطفال الذين لم يبلغوا سن الرشد ولا زالوا تحت الوصاية من وجهة النظر القانونية أكثر تعرضا للإعلانات من الكبار؟

من هنا و نظرا لهذه الاعتبارات ذات الأهمية خاصة، يجب أن يتوقف استخدام الطفل لأغراض التجارية. فالنظام الحالي لنشر إعلانات المواد الغذائية يشكل مشكلة لصحة العمومية. فمعظم المواد التي يتم التسويق لها هي مواد ذات سعة حرارية و سكرية مرتفعة مما يجعلهم عرضة للسمنة و لأمراض مزمنة.

فكجزء من إستراتيجية عالمية لمكافحة الأمراض المزمنة، فقد حثت منظمة الصحة العالمية الدول على اعتماد قانون لتنظيم تسويق الأطعمة والمشروبات للأطفال. بالإضافة إلى التوصية الحظر على الإعلان في الأماكن التي يرتادها الأطفال مثل المدارس والمتنزهات ومراكز الرعاية النهارية، والعيادات، وغيرها من الملاعب الرياضية، كما اقترحت منظمة الصحة العالمية للدول الأعضاء على إيلاء اهتمام خاص لجميع أشكال التسويق لإنشاء علاقة بين الطفل والعلامة التجارية.

ونظرا هذه العوامل و غيرها، يجب علينا العمل للحد من إعلانات التلفزيونية التي تنقل العديد من الصور النمطية بما في ذلك الخلفيات الاجتماعية والعرقية، والاختلافات نوع، وأدوار الانقسام النوع الاجتماعي، الخ. و واحد من أسوأ هذه الصور النمطية تلك التي يروج لها على نطاق واسع، و الذي يميل إلى اعتبار الجسد الأنثوي شيء ماديا

كما أن النظام الحالي للمراقبة الاحقة للإعلانات التلفزيونية لا يعطي الضمانات اللازمة و الكافية لمنع مثل هذه التجاوزات التي تؤدي إلى قلق خاص في المجتمع، وخاصة من حيث العنف في الحياة اليومية وذلك بوضع لجنة للمراقبة القبلية للإشهار.

في هذه المرحلة من المراقبة، هناك واقع واضح: فالأطفال والمراهقون يعانون من الخطر في مواجه مع الإعلانات التلفزيونية، والتشريعات الحالية لديها أوجه قصور خطيرة ضد ذلك.

و مما لا شك فيه كذلك، التنظيم و الرقابة الذاتيين التي تنفذ من قبل المعلنين لا يعملان. ولذلك، فالأمر متروك للبرلمان لتعزيز إلى حد كبير خطة حماية الطفل والمراهقين في مواجهة آثار الإعلان بشكل عام و في التلفزيون بشكل خاص.

Laisser un commentaire