أسيا …… محور العالم

في نص الخطاب الذي ألقاه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، أمام القمة المغربية الخليجية التي افتتحت يوم الأربعاء 20 أبريل 2016 بالرياض جاء فيه ما يلي:

« فالمغرب رغم حرصه على الحفاظ على علاقاته الاستراتيجية مع حلفائه، قد توجه في الأشهر الأخيرة  نحو تنويع شراكاته، سواء على المستوى السياسي او الاستراتيجي أو الاقتصادي.

 وفي هذا الإطار، تندرج زيارتنا الناجحة إلى روسيا، خلال الشهر الماضي، والتي تميزت بالارتقاء بعلاقاتنا إلى شراكة استراتيجية معمقة، والتوقيع على اتفاقيات مهيكلة، في العديد من المجالات الحيوية.

كما نتوجه لإطلاق شراكات استراتيجية مع كل من الهند وجمهورية الصين الشعبية، التي سنقوم قريبا، إن شاء الله، بزيارة رسمية إليها.

فالمغرب حر في قراراته واختياراته وليس محمية تابعة لأي بلد. وسيظل وفيا بالتزاماته تجاه شركائه، الذين لا ينبغي أن يروا في ذلك أي مس بمصالحهم ».

فمذا يعني هذا، و ماذا تعني أسيا اليوم بالنسبة للعالم، وما دور أوربا في المستقبل، وهل سياسيونا على بينة من التطورات المصيرية التي نعيشها اليوم ؟

 

 تعتبر أسيا قاطرة العالم اليوم، و هذا تغير جوهري و الأكتر أهمية في القرون الأخيرة، و هي لازالت في المراحل الأولى لتطورها.

هذا الواقع الجديد لازال الكتير من سياسينا لم يستوعبوه بجدارة، و لم يستوعبوا أن أوربا أصبحت متجاوزة. فأوربا التي حاولت من خلال التكامل الأوربي بناء أكبر قطب اقتصادي في العالم يكون محوره عملة قوية واحدة منافسة للدولار الأمريكي قد أصبح مآله الفشل الذريع.

فالإصرار من بعض الأوربيين على الرغبة في الحفاض على مظهر الوحدة الأوربية بأي ثمن أصبح يترجم في الواقع إلى شمولية سياسية و مجتمعية تفرضها طبقة من كبارالموضفين الأوربيين بدون أي شرعية ديموقراطية، كما أصبحت الشعوب الأوربية بدورها تبتعد أكتر فأكتر عن هذا المشروع الوحدوي الوحيد القادر على خلق التوازن في المنطقة الغربية لهذا الكوكب.

اختفاء البناء الأوربي، أكان سريعا أم بطيئا، قد تم تسجيله من طرف الدول الكبرى. فروسيا، واحدة من الإقتصادات في العالم التي تتطور بشكل سريع قد أعطت بالضهر و بشكل حازم لأوربا، و اتجهت صوب أسيا. فمحور باريس-برلين-موسكو الذي كان من المفترض أن يكون هو التطور الطبيعي للأشياء، سواءا من الناحية الجغرافية أو التقافية أو الاقتصادية قد أصبح بفعل المناورات السياسية و الهيمنة العسكرية و التخريب الأمريكي في خبر كان و ليس بالأولويات الآستراتيجية. فمن الواضح أن ادماج روسيا داخل المجتمع الأوربي سوف يكون أكتر جدوى و فائدة على أوربا من اليونان او قبرص أو حتى تركيا…

إذن فدورة جديدة تنفتح، دورة ستكون فيها الصين مهيمنة على أسيا التي هي بالتالي أكبر سوق و أكبر قوة اقتصادية في العالم.

هذه التطورات والتحولات في العلاقات الدولية وإعادة نشر الاستراتيجيات التي تعمل في أعقابها، لم يدفعوا المغرب على إعادة النظر في سياسته الترابطية مع أوربا، بل على عكس ذلك فهو ذاهب في توسيعها وتعميقها.

هذا الترابط الذي بدأ باتفاقيات 1969 و1976 قد تم مؤسسته باتفاقيات التبادل الحر لسنة 1976 بين الشركين والذي أخد بفعل الوضع المتقدم الممنوح للمغرب بتاريخ 13 أكتوبر 2008 رلى توسيع حقل التعامل ليشمل تعميق العلاقات السياسية والتكامل التنظيمي وتطوير التبادل الثقافي والتعليمي والعلمي.

لكن مع فاتح مارس 2013 بدأت مفاوضات جديدة لتوسيع وتعميق اتفاقيات التبادل الحر والتي تعرف اتفاقية التبادل الشاملة والمعمقة. اتفاقية تروم تعزيز الانفتاح الحالي للاقتصاد الوطني، وتسهيل اندماجه التدريجي في السوق الداخلية للاتحاد الأوروبي، مع الاشارة إلى أن هذا التكامل الاقتصادي يمر أساسا عبر التطابق التنظيمي.

هذا التطابق سوف يعزز التبعية للأوربيين. فمن الناحية الاقتصادية المحضة، فالتبعية للاقتصاد الأوروبي تتجلى في أن أكتر من 54 في المائة من الواردات هي من أوربا، كما أن أكتر من 50 في المائة من السياح الذين يلجون المغرب سنويا هم أوروبيون. كما أن 60 في المائة من صادراتنا هي متجهة لأروبا كما أن أكتر من 73 في المائة من الاستثمارات المباشرة الخارجية في المغرب هي أوروبية. وأخيرا، فالأورو يناهز 60 في المائة من سلة العملات التي يتم احتساب القيمة الخارجية للدرهم.

المغاربة المقيمين بالخارج والمقيمين بأوروبا يمتلون 3\4 مغاربة العالم ولهم الفضل في تحويل ما يناهز 69 مليار درهم من التحويلات الخاصة.

اليوم الاقتصاد المغربي مرتبط وتابع إلى حد كبير لجهة واحدة في العالم وهي جهة أوروبا. الميزان التجاري يشير إلى عجز هيكلي مزمن بنسبة تغطية لا تتجاوز 50 في المائة. كما أن التخصص القطاعي لازال محصورا في قطاعات ذات قيمة إضافية ضعيفة. أما نموذج النمو فيبقى دون فاعلية وقليل الشمولية وقليل الاستدامة أكتر فأكتر.

التحولات جيوستراتيجية الآنية في العالم تمنح للمغرب فرصة لإعادة التمركز العالمي تماشيا مع قدراته واحتياجاته للتنمية. لكن ترابطه الأوربي يمكن أن يزيحه عن هذا الهدف.

فالترابط والتطابق والتبعية بصفة عضوية للاتحاد الأوروبي يحمل في طياته مخاطر الحكم علي الاقتصاد المغربي أن يبقى ويعيش في الهامش مقارنة مع جيوب الحيوية للاقتصاد العالمي.

 

 

 

Laisser un commentaire