نحن جميعا مشاهدون

نحن جميعا مشاهدون، ونحن جميعا نعيش في عهد السمعي البصري والتلفزيون. لكننا، مع الأسف، لا نزال نعيش في عدم الاعتراف بهذا العهد.

اليوم، بعد العمل والنوم،المشاهدة والاستماع للتلفزة يعد النشاط الذي يحتل معظم وقت الفراغ لدينا.

فقد اتخذ نشاط المشاهدة موقعنا هاما على أنشطتنا الترفيهية الأخرى، ننفق الآن وقتا أقل في نزهات والمناسبات الاجتماعية خارج المنزل، وننفق كذلك وقت أقل في الاستماع إلى الراديو أو القراءة أو الذهاب إلى دور السينما. أما في حالة أطفالنا و أبنائنا، ونحن كلنا على علم بما فيه الكفاية، فإن الوقت الذي يقضونه في رؤية التلفزة يفوق عن بعد مجموع ساعات التي يقضونها في المدرسة أو العمل الأكاديمي.

نحن جميعا مشاهدون، لأنه في الأساس، نحن جميعا ننظر إلى التلفزة، وقبل كل شيء، لأننا نعيش في ومع وجود التلفزة.

كونونا مشاهدون قد أصبح نمط الحياة المعاصرة التي لا يمكن أن تقتصر على البيانات الكمية الوحيدة لعرض الوقت الذي يستوحي المذيعين.

بالنسبة للكثيرين منا، لا يمكننا الهروب من التلفزة، وهي جزء من الطقوس اليومية لدينا مع عدم إدراك ذلك. إنها واحدة من حياتنا، ويتجلى ذلك في ردة فعلنا التلقائية لتشغيل الجهاز بنفس العفوية وبنفس الحرص الذي نضعه في أكتر الإيماءات اليومية المألوفة لدينا.

بالنسبة للكثيرين منا، العيش بدون تلفزة هو مثل الحرمان من قهوة الصباح أو من يوم بدون أشعة الشمس. يوم من دون تلفزة، هو كيوم تعيش فيه على الهامش بمحاذاة أطراف العالم والانسحاب من الاستماع إليه، هو يوم تعيش فيه دون تواصل مع العالم. أكتر من ذلك، هو أنك تفقد الشعور بالانتماء والمشاركة في الحياة الاجتماعية، أن تكف عن أن تكون متصلا. نعيش مع الحاجة الحميمية للتلفزة. بل هي أيضا، بها و بواسطة الاتصال التلفزي التي تشكله، تنقل اليوم الجزء الأكبر تشكيل ونقل المعلومات اللازمة لتشغيل وتطوير الحياة الاقتصادية والسياسية والثقافية لمجتمعاتنا. التلفزة واقع ثقافي في حياتنا المعاصرة.

التلفزة في كل مكان، لكن بشيء من المعنى نشاهدها دون أن ننضر فيها. ندعها تتكلم لنا وتبين لنا الكثير من الأمور التي نحاول أن تختار بينها. أصبحت التلفزة تدريجيا بالنسبة لنا بمثابة الفقاعة التي نلجأ إلى داخلها، ننفرد فيها، مسترشدين في ذلك حركة العصي السحرية لحرفيي القطاع الدين يحركوننا على إيقاعات الأصوات و الصور من خلالنا، تخترقنا عميقا في داخلنا دون وجود انطباع لدينا أنه يمكننا فعل شيء تجاه دلك. الأصوات والصور تدفق فينا، تخترقنا، تتسلل إلى ما وراء وعينا إلى مستويات عميقة جدا، كما لو كانت أحلاما.

نحن ما زلنا نعيش مع فكرة أن التلفزيون هو في المقام الأول للترفيه، و لكن نحن لم نتوقف، علاوة على ذلك، من الشك في أنه في كثير من النواحي لديها تقريبا نفس قدر مؤسسات الأسرة والمدرسة والصحة في نوعية حياتنا الشخصية والاجتماعية. التلفزة تتكلم إلينا كثيرا، لكن لا يمكننا التكلم معها، وأسوأ من ذلك، نحن لا نعرف حتى الآن كيفية التحدث عنها أو حتى كيفية الاستمتاع بها. التلفزة تبقى بالنسبة لنا بعيدة المنال، غامضة و لا يمكن المساس بها. ولكن أيضا، نجد أنفسنا، نحن المشاهدون، كمفهوم في وضع بعيد المنال.

التلفزة مسألة في غاية الجدية وتملي علينا البحت على أدوات أخرى غير دليل البرامج. نعم، فالتلفزة مسألة تهم الأسرة، مثل المدرسة و المجتمع. فمن خلال وجهة نظر هؤلاء الدين يجعلونها مادة استهلاكية يومية، أطفالا و كبارا، علينا أن نبدأ في إيجاد السبل التي تمكننا إلى معرفة أفضل السبل للاستفادة منها وجعلها رفيقا محفزا في أبحاثنا على جودة الحياة الشخصية والعائلية والاجتماعية.

يشمل هذا العمل تطوير نسق يعالج التلفزيون من منظور المشاهد كشخص، كمواطن وكمستهلك، وليس من وجهة نظر التي اعتدنا، وهو منظور المذيعين والحرفيين الذين يتحدثون عن التلفزة من خلال العروض المبرمجة و الحيز الزمني الذي نخصصه لهم نحن كمشاهدين.

العمل الذي يتعين القيام به، وتطويره من خلال المعرفة بتاريخ التلفزيون في ضوء تجارب المشاهدين الخاصة التي تم اكتسابها، من خلال الثقافة و التطور المعاصر لوسائل الإعلام. يتطلب هذا العمل التفكير في التدابير التي يجب القيام بها من أعمال فردية و جماعية بالنظر إلى الأهمية الاجتماعية للتلفزة و حث المسؤولين على قطاع التواصل و قطاع الثقافة و قطاع الأسرة و التعليم و البحت العلمي على الأخذ بعين الاعتبار في برامجهم الأهمية الاجتماعية للتلفزة. وأخيرا، فإنه يتطلب إعادة تعريف المسؤولية العامة لأصحاب ومديري و حرفيي القطاع السمعي البصري. كل هذا قد يبدو بدائيا ولكن نحن مرة أخرى لا زلنا في البداية. نحن جميعا مشاهدون الذين يجب عليهم دراسة تاريخهم واكتسابه و التعريف به، لكي في الأخير نتواجد كإنسان، كمواطنين، و كمستهلكين فعالين و كنقاد للمجتمع المعاصر، مجتمع المعلومة و الاتصال.

Laisser un commentaire