افلاس المقاولات……. تخبط السياسات الحكومية

شهد الاقتصاد المغربي في الآونة الأخيرة أزمات مختلفة استحوذت على الاهتمام في كافة الأوساط الاقتصادية والمالية سواء حكومية أو قطاع أعمال أو حتى على مستوى الشارع المغربي وهي أزمة السيولة لدى المقولات الصغيرة والمتوسطة.

فالإحصائيات الأخيرة لهذه السنة، والنابعة عن أنفوريسك، مثيرة للقلق وتأكد الوضع الصعب للاقتصاد الوطني.   فقد تم تسجيل في الأشهر الثلاث الأولى لسنة 2016، أكثر من 1703 شركة مغربية فاشلة ومتجهة نحو الإفلاس. هذا التسارع في الإخفاقات والذي يتم تسجيل ارتفاع وتيرته مند سنة 2011، سيتفاقم كثيرا هذه السنة بالمقارنة مع سنة 2015 الذي سجلت هي الأخرى ارتفاعا يوازي 17.2 في المائة، خصوصا بعد أن تم الإعلان على أن نسبة النمو لن تتجاوز 1 في المائة.

وعلى الرغم من أن نقص السيولة، و الذي يعاني منه بالخصوص المقاولات الصغرى، ما هو إلا مؤشر أو ظاهرة لحدث أهم وأزمة أخطر هو مرحلة الركود الاقتصادي الذي يمر به الاقتصاد المغربي في الوقت الراهن إلا أن التعامل مع هذه الظاهرة تم بشيء من العشوائية والتضارب بل والتجاهل في بداية الأمر وهو الشيء الذي أدى إلى حدوث رد فعل متخبط لدى الأبناك رغم خفض السعر الفائدة المرجعي من طرف البنك المركزي لعدة مرات دون أن تخفض الأبناك من سعر فائدتها، مما جعل والي بنك المغرب إلى التصعيد من لهجته في أواخر السنة الفارطة بعد أن استفحل الأمر وأصبح من الصعب تجاهله، فبدأت الحكومة المغربية في الاعتراف به ومحاولة علاجه وإن كان للأسف الشديد علاجا ضعيفا و لا يتناسب مع حجم المشكلة.

فبعد قرار استصدار القانون 32-10 المتعلق بآجال الأداء، سنة 2013، لتعميم وإلزام المقاولة والدولة وكل المتعاملين التجاريين باعتماد الفوائد، خصوصا في فقرتيه الثالثة والرابعة. كما أنه يلزم كل متعامل أراد أن يتحلل من هذه الزيادة، نظرا إلى الشبهة التي تحوم حولها ونظرا إلى كثرة التساؤلات حول ما إن كانت ربى أم زيادة مشروعة، باعتمادها ولم يسمح له بالتخلي عنها إلا بالتقادم بعد سنة وبعد الأداء، وجعلها مستحقة بشكل تلقائي دون أي إجراء سابق « تستحق غرامة التأخير دون الحاجة إلى إجراء سابق»، بل إن القانون يبطل أي مبادرة من أطراف العقد للتحلل منها مسبقا، حيث تنص الفقرة الموالية من نفس المادة على أنه » يعتبر كل شرط من شروط العقد يتخلى بموجبه التاجر عن حقه في المطالبة بغرامة التأخير باطلا وعديم الأثر». ها هي تعلن في اجتماع لمجلس الحكومة ليوم 24 مارس 2016 عن اتخاذها لقرار هام وهو استصدار قانون رقم 15-49 بتغيير وتتميم 15-95 وسن أحكام خاصة بآجال الآداء، وإرغام المؤسسات العمومية على احترام مدة 90 يوم كأقسى الآجال.

فرغم دخول القانون حيز التنفيذ مند سنة 2013 إلا أن تطبيقه اعتُبِر مستحيلا. فكان لازما انتظار القانون المالي لسنة 2014 لشرح التدابير المحاسبتية والضريبية ورغم ذلك فلم يأتي القانون بجميع الأجوبة لتساؤلات التي تطرحها المقاولات الصغرى والمتوسطة، ولم يجنبهم جبروت كبار المقاولات في تأخر الأداء ولا تماطل الإدارات في أداء متأخرتها، بل بالعكس، أعطت فرصة أخرى للمصلحة الضرائب للمطالبة بالضريبة على الأرباح المتعلقة بفوائد التأخير بعد الفترة القانونية المسموح بها.

فحسب أنفوريسك دائما، فالمديونية بين المقاولات تفوق 364 مليار درهم وهذا وحده يفوق 1.5 مرة مجموع قروض الأبناك والتي تقدر ب 244 مليار درهم. كما أن وتيرة الارتفاع للقروض التجارية بين المقاولات هي بثماني مرات أكتر مما تعرفه نمو وتيرة القروض البنكية، من هنا يعرف سر آجال الأداء وتسديد المتأخرات. ف40 في المائة من فشل المقاولات واتجاهها نحو الإفلاس.

الإشكال المطروح في بلورة مثل هذه القوانين ينحصر في الخضوع لمطالب بعض الجهات الضاغطة دون النظر إلى نجاعتها وسلامة تنزيلها، فمثل هذه القوانين رغم أنها في ظاهرها اقتصادية، فهي تحتاج قبل صياغتها إلى مقاربة تشاركية بإشراك المعنيين في بلورتها بشكل يستجيب لطموحاتهم، كما أنها كانت تحتاج إلى مقاربة مندمجة لصياغتها، وذلك بالرجوع إلى قطاع العدل للنظر في إمكانية التنزيل قبل الإعلان عنها.
ولعل التراجعات التي أقدمت عليها هذه الحكومة في العديد من القضايا خلال فترة توليها شؤون السياسة العامة، عائدة بالأساس إلى اعتماد المقاربة الكلاسيكية في تدبير الشأن العام، ذلك أن الحكومة تصدر قرارات أو توجهات ثم تتراجع عنها بعد تعرضها للمقاومة، فيصبح المشكل مزدوجا عدم إقرار القرار وضرب المصداقية بالتراجع، فينشأ عن ذلك تقليد المقاومة لكل القرارات لأنه نمى إلى ذهن المواطن أن الحكومة يمكنها أن تتراجع عن قراراتها، بل كان من الأجدر استفزاز المقاومة قبل إصدار القرار عبر المقاربة التشاركية الفعلية، الشيء الذي تنتج عنه ثلاثة سيناريوهات لا تفقد على كل حال الحكومة مصداقيتها، وتتمثل في إصدار القرار بكامله مع القدرة على التنفيذه أو التعديل القبلي في القرار ثم إصداره مع القدرة على تنفيذه أو العدول عن إصدار القرار وليس التراجع عن تنفيذه، وبذلك تربح الحكومة مصداقيتها في كل الأحوال.

إن الإشكال الحقيقي يتمركز في الطرق والمناهج المعتمدة للاشتغال وليس في الاشتغال في حد ذاته، فبمحاولة علاج المشاكل الاقتصادية بضخ النقدية في الأسواق، عبر إقرار القانون، عن طريق سداد مديونيتها ومتأخراتها للشركات: هذا في رأيي تصرف قاصر عن علاج هذه المشكلة لأنه في هذه الحالة فإنها تحاول فقط علاج العرض وهو نقص السيولة لدى المقولات في حين أنها تجاهلت المرض المسبب لهذا العرض وهو الركود الاقتصادي وهذا سيؤدي، في حالته القصوى، إلى علاج جزئي ضعيف الأثر في الأجل القصير وفي نفس الوقت ستتعقد المشكلة أكثر في الأجل الطويل.

Laisser un commentaire